الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } ، أي: آدم، { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } ، يعني: نسله، { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَٰجاً } ، ذكراناً وإناثاً، { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } ، لا يطول عمره، { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } ، يعني: من عمر آخر، كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي: نصف درهم آخر، { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } ، وقيل: قوله: " ولا ينقص من عمره " منصرف إلى الأول، قال سعيد بن جبير: مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره. وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة: والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر، فقيل له إن الله عزّ وجلّ يقول:فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَـئَخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [الأعراف: 34] فقال: هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص، وقرأ هذه الآية { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } ، أي: كتابة الآجال والأعمال على الله هين. قوله عزّ وجلّ: { وَمَا يَسْتَوِى ٱلْبَحْرَانِ } ، يعني: العذب والمالح، ثم ذكرهما فقال: { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } ، طيب، { سَآئِغٌ شَرَابُهُ } ، أي: جائز في الحلق هنيء، { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } ، شديد الملوحة. وقال الضحاك: هو المر. { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } ، يعني: الحيتان من العذاب والمالح جميعاً، { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً } ، أي: من المالح دون العذب { تَلْبَسُونَهَا } ، يعني اللؤلؤ. وقيل: نسب اللؤلؤ إليهما لأنه يكون في البحر الأجاج عيون عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من ذلك، { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } ، جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة، { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } ، بالتجارة، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، الله على نعمه.