الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } * { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ }

{ ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ } ، أي: ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم، { وَهَلْ نُجْزِىۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } ، قرأ حمزة، والكسائي، وحفص، ويعقوب: «وهل نجازي» بالنون وكسر الزاي، «الكفورَ» نصب لقوله: " ذلك جزيناهم " ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي، «الكفورُ» رفع، أي: وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلاّ الكفور. وقال مجاهد: يجازى أي: يعاقب. ويقال في العقوبة: يجازي، وفي المثوبة يجزي. قال مقاتل: هل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله في نعمه. قال الفراء: المؤمن يُجزى ولا يجازى، أي: يجزى للثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته. { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } بالماء والشجر، هي قرى الشام، { قُرًى ظَـٰهِرَةً } ، متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها، وكان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام. وقيل: كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام. { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ } ، أي: قدرنا سيرهم بين هذه القرى، وكان مسيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار. وقال قتادة: كانت المرأة تخرج ومعها مغزلها، وعلى رأسها مكتلها فتمتهن فلا تأتي بيتها حتى يمتلىء مكتلها من الثمار، وكان ما بين اليمن والشام كذلك. { سِيرُواْ فِيهَا } ، أي: وقلنا لهم سيروا فيها، وقيل: هو أمر بمعنى الخبر أي: مكناهم من السير فكانوا يسيرون فيها، { لَيَالِىَ وَأَيَّاماً } ، أي: بالليالي والأيام أيّ وقت شئتم، { ءَامِنِينَ } ، لا تخافون عدواً ولا جوعاً ولا عطشاً، فبطروا وطغوا ولم يصبروا على العافية، وقالوا: لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه.