الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } ، يقول: أخذنا ميثاقهم [لكي يسأل الصادقين عن صدقهم، يعني النبيين عن تبليغهم] الرسالةَ والحكمةُ في سؤالهم، مع علمه أنهم صادقون، تبكيتُ من أرسلوا إليهم. وقيل: ليسأل الصادقين عن عملهم لله عزّ وجلّ. وقيل: ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم. { وَأَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }. قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، وذلك حين حُوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق، { إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } ، يعني الأحزاب وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة، والنضير، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً } ، وهي الصَّبَا، قال عكرمة: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل، وكانت الريح التي أرسلت عليهم الصَّبا. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا آدم، أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " نُصِرْتُ بالصَّبا، وأُهلكتْ عادٌ بالدَّبُور ". قوله تعالى: { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } ، وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ، فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحاً باردةً فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيِّدُ كلِّ حي يقول: يا بني فلان هلم إليّ، فإذا اجتمعوا عنده قال: النجاءَ النجاءَ، لِما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال. { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيراً }. قال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير، ومن لاَ أَتَّهم عن عبد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا، دخل حديث بعضهم في بعض: أن نفراً من اليهود، منهم سلام بن أبي الحقيق، وَحُيَي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهودة بن قيس وأبي عمار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزّبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، فديننا خيرٌ أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منهم، قالوا: فهم الذين أنزل الله فيهم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10