الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

قوله تعالى: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } ، الآية. نزلت في زينب، " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوج زينب من زيد مكثت عنده حيناً، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يوم لحاجة فأبصر زينب قائمة في درع وخمار، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها، فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد، فألقي في نفس زيد كراهيتها في الوقت، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني أريد أن أفارق صاحبتي»، قال: ما لك أرَابكَ منها شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظم عليّ لشرفها وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك زوجك» يعني: زينب بنت جحش، { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } ، في أمرها، ثم طلَّقها زيد " ، فذلك قوله عزّ وجلّ: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإِسلام، { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالإِعتاق، وهو زيد بن حارثة: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } فيها ولا تفارقها، { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } أي: تسرّ في نفسك ما الله مظهره، أي: كان في قلبه لو فارقها لتزوجها. وقال ابن عباس: حبها. وقال قتادة: ودَّ أنه طلقها. { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } قال ابن عباس والحسن: تستحييهم. وقيل: تخاف لائمة الناس أن يقولوا: أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها. { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ } ، قال عمر، وابن مسعود، وعائشة: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية. وروي عن مسروق قال: قالت عائشة: لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآية: { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ }. وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله: { وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ }؟ قلت: يقول لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك، فقال: أمسك عليك زوجك واتق الله، فقال علي بن الحسين: ليس كذلك، بل كان الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيداً سيطلقها، فلما جاء زيد وقال: إني أريد أن أطلقها قال له: أمسك عليك زوجك، فعاتبه الله وقال: لِمَ قلتَ: أمسِكْ عليك زوجك وقد أعلمتُك أنها ستكون من أزواجك؟. وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله علم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزوجيها منه فقال: " زوجناكها " فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره، فدل على أنه إنّما عُوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له، وإنما أخفاه استحياءَ أن يقول لزيد: التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي، وهذا قول حسن مرضٍ، وإن كان القول الآخر وهو أنه أخفى محبتها ونكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء، لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه في مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المآثم، لأن الود وميل النفس من طبع البشر.

السابقالتالي
2 3