الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله عزّ وجلّ: { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِى بُيُوتِكُـنَّ مِنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ } ، يعني: القرآن، { وَٱلْحِكْــمَةِ } ، قال قتادة: يعني السنة. وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } ، أي: لطيفاً بأوليائه خبيراً بجميع خلقه. قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } ، الآية. وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله إن الله ذكر الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خير نُذكر به، إنا نخاف أن لا يقبل الله منّا طاعةً، فأنزل الله هذه الآية. قال مقاتل: قالت أم سلمة بنت أبي أمية ونيسة بنت كعب الأنصارية للنبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ربّنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شي من كتابه، نخشى أن لا يكون فيهن خير؟ فنزلت هذه الآية. وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ومِمَّ ذاك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله هذه الآية { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ } ، المطيعين، { وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ } ، في إيمانهم وفيما ساءهم وسرهم، { وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ } ، على ما أمر الله به، { وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ } ، المتواضعين، { وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ } ، وقيل: أراد به الخشوع في الصلاة، ومن الخشوع أن لا يلتفت، { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ } ، ممّا رزقهم الله، { وَٱلْمُتَصَدِّقَـٰتِ وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ } ، عمّا لا يحل، { وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ وَٱلذَٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَٰكِرَٰتِ } ، قال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين لله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً. وروينا أن النبي قال: " «سبق المفرِّدون»، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون لله كثيراً والذاكرات» ". قال عطاء بن أبي رباح من فوض أمره إلى الله عزّ وجلّ فهو داخل في قوله: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } ، ومن أقرّ بأن الله ربُّه ومحمداً رسولُه ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله: { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ، ومن أطاع الله في الفرض، والرسول في السنة: فهو داخل في قوله: { وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ } ، ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله: { وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ } ، ومن صبر على الطاعة، وعن المعصية، وعلى الرزية فهو داخل في قوله: { وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرَٰتِ } ، ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله: { وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ } ، ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله: { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَـٰتِ } ، ومن صام من كل شهر الأيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فهو داخل في قوله: { وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ } ، ومن حفظ فرجه عمّا لا يحل فهو داخل في قوله: { وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ } ، ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله: { وَٱلذَٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَٰكِرَٰتِ }. { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم وَأَجْراً عَظِيماً }.