الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

{ وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ } ، قرأ أهل المدينة وعاصم: «وقَرن» بفتح القاف، وقرأ الآخرون بكسرها، فمن فتح القاف فمعناه، اقررن أي: الزمن بيوتَكُن، من قولهم: قررت بالمكان أقرُّ قراراً، يقال: قررت أقر وقررت أقر، وهما لغتان، فحذفت الراء الأولى التي هي عين الفعل لثقل التضعيف ونقلت حركتها إلى القاف كقولهم: في ظللت ظلت، قال الله تعالى:فَظَلْتُمْ تَفْكَهون } [الواقعة: 65]،ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاًً } [طه: 97]. ومن كسر القاف فقد قيل: هو من قررت أقر، معناه وأقررن - بكسر الراء - فحذفت الأولى ونقلت حركتها إلى القاف كما ذكرنا، وقيل: - وهو الأصح - أنه أمر من الوقار، كقولهم من الوعد: عدن، ومن الوصل: صلن، أي: كُنَّ أهل وقار وسكون، من قولهم وقر فلان يقر وقوراً إذا سكن واطمأن. { وَلاَ تَبَرَّجْنَ } قال مجاهد وقتادة: التبرج هو التكسر والتغنج، وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر. وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال، { تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ }. اختلفوا في الجاهلية الأولى. قال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو العالية: هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام، كانت المرأة تلبس قميصاً من الدر غير مخيط من الجانبين فيُرى خلقها فيه. وقال الكلبي: كان ذلك في زمن نمرود الجبار، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال. وروى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الجاهلية الأولى بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وأن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صِبَاحاً وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صِباحاً وفي الرجال دمامة، وأن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل وآجَّر نفسه منه، فكان يخدمه واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس بمثله، فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يستمعون إليه، فاتخذوا عيداً يجتمعون إليه فيه في السنة، فتتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهم، فذلك قوله تعالى: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ }. وقال قتادة: هي ما قبل الإِسلام. وقيل: الجاهلية الأولى: ما ذكرنا، والجاهلية الأخرى: قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان. وقيل: قد تذكر الأولى إن لم يكن لها أخرى، كقوله تعالى:وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلاُْولَىٰ } [النجم: 50]، ولم يكن لها أخرى. قوله عزّ وجلّ: { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْت } ، أراد بالرجس: الإِثم الذي نهى الله النساء عنه، قاله مقاتل.

السابقالتالي
2