الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } * { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً }

قوله عزّ وجلّ: { لِّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } ، أي: جزاءَ صدقِهم، وصدقُِهم هو الوفاءُ بالعهد، { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ، فيهديهم إلى الإِيمان، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }. { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، من قريش وغطفان، { بِغَيْظِهِمْ } ، لم يشفِ صدورَهم بنيلِ ما أرادوا، { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } ، ظفراً، { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } ، بالملائكة والريح، { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } ، قوياً في ملكه عزيزاً في انتقامه. { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَـٰهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } ، أي: عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهم بنو قريظة، { مِن صَيَاصِيهِمْ } ، حصونهم ومعاقلهم، واحدها صيصية، ومنه قيل للقرن ولشوكة الديك والحاكة صيصية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح من الليلة التي انصرف الأحزاب راجعين إلى بلادهم وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة، ووضعوا السلاح فلما كان الظهر أتى جبريل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم معتجراً بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غلست شقه، فقال: قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: " نعم " فقال جبريل: عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة، وما رجعت الآن إلاّ من طلب القوم. وروي أنه كان الغبار على وجه جبريل عليه السلام وفرسه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه وعن فرسه، فقال: إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فانْهَدْ إليهم، فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال وبلبال، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فأذن: أن من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلاّ في بني قريظة، وقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إليهم، وابتدرها الناس فسار علي رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لِمَ، أظنك سمعتَ لي منهم أذىً؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً. فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: يا إخوان القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟. قالوا: يا أبا القاسم ما كنت جهولاً. ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصَّوْرَين من قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال هل مرّ بكم أحد؟ قالوا: نعم يا رسول الله مرّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال عليه السلام: ذاك جبريل بُعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7