الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } * { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً }

ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال: { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ } ، تسليماً لأمر الله وتصديقاً لوعده: { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } ، وعد الله إيّاهم ما ذكر في سورة البقرة:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } [البقرة: 214] إلى قوله:أَلاَۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]، فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيماً } ، أي: تصديقاً لله وتسليماً لأمر الله. قوله عزّ وجلّ: { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } ، أي: قاموا بما عاهدوا الله عليه ووفوا به، { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } ، أي: فرغ من نذره، ووفّى بعهده، فصبر على الجهاد حتى استشهد، والنَّحْبُ: النذر، والنحب: الموت أيضاً، قال مقاتل: " قضى نحبه " يعني أجَلَه فقتل على الوفاء، يعني حمزة وأصحابه. وقيل: " قضى نحبه " أي: بذل جهده في الوفاء، بالعهد من قول العرب: نَحَبَ فلان في سَيْره يومه وليله أجمع، إذا مدّ فلم ينزل، { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } ، الشهادة. وقال محمد بن إسحاق: " فمنهم من قضى نحبه " من استشهد يوم بدر وأحد، " ومنهم من ينتظر " يعني: من بقي بعد هؤلاء من المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين إمّا الشهادة أو النصر، { وَمَا بدَّلواْ } ، عهدهم { تَبْدِيلاً }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن سعيد الخزاعي، أخبرنا عبد الأعلى، عن حميد قال: سألت أنساً / ح/ وحدثني عمرو بن زرارة، أخبرنا زياد، حدثني حميد الطويل، عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرَيَنَّ اللَّهُ ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعتُ يا رسولَ الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نظن أو نْرَى أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } إلى آخر الآية.

السابقالتالي
2