الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } * { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }

{ قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِى يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } ، أي: يمنعكم من عذابه، { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً } ، هزيمة، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } ، نصرة، { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً } ، أي: قريباً ينفعهم، { وَلاَ نَصِيراً } ، أي: ناصراً يمنعهم. { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } ، أي: المثبطين للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } ، أي: ارجعوا إلينا، ودَعُوا محمداً، فلا تشهدوا معه الحرب، فإنا نخاف عليكم الهلاك. قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين، كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لإِخوانهم: ما محمد وأصحابه إلاّ أكلة رأس، ولو كانوا لحماً لالتهمهم، أي: ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا الرجل فإنه هالك. وقال مقاتل: نزلت في المنافقين، وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين، وقالوا: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرّة لم يَسْتَبْقُوا منكم أحداً وإنّا نشفق عليكم أنتم إخواننا وجيراننا هلمُّوا إلينا، فأقبل عبد الله بن أُبي وأصحابه على المؤمنين يعوِّقونهم ويخوِّفونهم بأبي سفيان ومَنْ معه، وقالوا: لئن قدروا عليكم لم يَسْتَبْقُوا منكم أحداً ما ترجون من محمد؟ ما عنده خير، ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا، انطلقوا بنا إلى إخواننا، يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً. قوله عزّ وجلّ: { وَلاَ يَأتونَ البَأْسَ } ، الحرب، { إِلاَّ قَلِيلاً } ، رياء وسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيراً. { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } ، بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة، وقال قتادة: بخلاء عند الغنيمة، وصفهم الله بالبخل والجبن، فقال: { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ } في الرؤوس من الخوف والجبن، { كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } ، أي: كدوران الذي يُغشى عليه من الموت، وذلك أن من قرب من الموت وغشيه أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره، فلا يطرف، { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم } ، آذوكم ورموكم في حال الأمن، { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ، ذرِبَةٍ، جمع حديد. يقال للخطيب الفصيح: الذَّرِب اللسان: مِسْلَق ومصلق وسَلاَّق وصَلاَّق. قال ابن عباس: سلقوكم أي: عضدوكم وتناولوكم بالنقص والعيبة. وقال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، يقولون: أعطونا فإنا قد شهدنا معكم القتال، فلستم أحق بالغنيمة منّا، فهم عند الغنيمة أشح قوم وعند البأس أجبن قوم، { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } ، أي: عند الغنيمة يشاحون المؤمنين، { أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ } ، قال مقاتل: أبطل الله جهادهم، { وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }. { يَحْسَبُونَ } ، يعني هؤلاء المنافقين، { ٱلأَحْزَابَ } ، يعني: قريشاً وغطفان اليهود، { لَمْ يَذْهَبُواْ } ، لم ينصرفوا عن قتالهم جبناً وفرقاً وقد انصرفوا، { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } ، أي: يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب، { يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى ٱلأَعْرَابِ } ، أي: يتمنّوُا لو كانوا في بادية مع الأعراب من الخوف والجبن، يقال: بدا يبدو بداوةً إذا خرج إلى البادية.

السابقالتالي
2