الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً }

{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } ، معتَّب بن قشير، وقيل: عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، { وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } شك وضعف اعتقاد: { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } ، وهو قول أهل النفاق: يَعِدُنا محمد فتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوزَ رحله، هذا والله الغرور. { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } ، أي: من المنافقين، وهم أوس بن قيظي وأصحابه، { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } ، يعني المدينة، قال أبو عبيدة: " يثرب " اسم أرضٍ، ومدينةُ الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحيةٍ منها. وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب، وقال: «هي طابة»، كأنه كره هذه اللفظة. { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } ، قرأ العامة بفتح الميم، أي: لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وحفص: بضم الميم، أي: لا إقامة لكم، { فَٱرْجِعُواْ } ، إلى منازلكم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: عن القتال إلى مساكنكم. { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ } ، وهم بنو حارثة وبنو سلمة، { يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } ، أي: خالية ضائعة، وهو مما يلي العدو ونخشى عليها السرّاق. وقرأ أبو رجاء العطاردي «عَوِرَة» بكسر الواو، أي قصيرة الجدران يسهل دخول السراق عليها، فكذبهم الله فقال: { وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } ، أي: ما يريدون إلا الفرار. { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ } ، أي: لو دَخَلَتْ عليهم المدينة، يعني هؤلاء الجيوش الذين يريدون قتالهم، وهم الأحزاب، { مِّنْ أَقْطَارِهَا } ، جوانبها ونواحيها جمع قطر، { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ } ، أي الشرك، { لأَتَوْهَا } ، لأعطوها، وقرأ أهل الحجاز لأتوها مقصوراً، أي لجاؤوها وفعلوها ورجعوا عن الإِسلام، { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ } ، أي: ما احتبسوا عن الفتنة، { إِلاَّ يَسِيراً } ، ولأسرعوا الإِجابة إلى الشرك طيّبةً به أنفسهم، هذا قول أكثر المفسرين. وقال الحسن والفراء: وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا.