الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } * { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً }

قوله عزّ وجلّ: { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ } ، أي: من فوق الوادي من قِبَل المشرق، وهم أسد، وغطفان، وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان، ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة، { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، يعني: من بطن الوادي، من قِبَل المغرب، وهم قريش وكنانة، عليهم أبو سفيان بن حرب في قريش ومَنْ تبعه، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق. وكان الذي جر غزوة الخندق - فيما قيل - إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من ديارهم. { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَـٰرُ } ، مالت وشخصت من الرعب، وقيل: مالت عن كل شيء فلم تنظر إلا إلى عدوها، { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } ، فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع، والحَنْجَرة: جوف الحلقوم، وهذا على التمثيل، عبّر به عن شدة الخوف، قال الفراء: معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فإذا انتفخت الرئة رفعت القلب إلى الحنجرة، ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره. { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } ، أي: اختلفت الظنون فظن المنافقون استئصال محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي عنهم، وظن المؤمنون النصر والظفر لهم. قرأ أهل المدينة، والشام، وأبو بكر: " الظنونا " و " الرسولا " و " السبيلا " بإثبات الألف وصلاً ووقفاً، لأنها مثبتة في المصاحف، بالألف، وقرأ أهل البصرة وحمزة بغير الألف في الحالين على الأصل، وقرأ الآخرون بالألف في الوقف دون الوصل لموافقة رؤوس الآي. { هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ } ، أي: عند ذلك اختبر المؤمنون، بالحصر والقتال، ليتبين المخلص من المنافق، { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } ، حُرّكوا حركة شديدة.