الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } * { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ }

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } ، يحلف المشركون، { مَا لَبِثُواْ } ، في الدنيا، { غَيْرَ سَاعَةٍ } ، إلا ساعة، استقلُّوا أجل الدنيا لمّا عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي: ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال:كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } [الأحقاف: 35]. { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } ، يصرفون عن الحق في الدنيا قال الكلبي ومقاتل: كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث. والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء يتبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه، وكان ذلك بقضاء الله وقدره بدليل قوله: { يُؤْفَكُونَ } ، أي: يصرفون عن الحق. ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَـٰنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } ، أي: فيما كتب الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور. وقيل: " في كتاب الله " أي: في حكم الله، وقال قتادة ومقاتل: فيه تقديم وتأخير معناه: وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإِيمان: لقد لبثتم إلى يوم البعث، يعني الذين يعلمون كتاب الله، وقرأوا قوله تعالى:وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 100]، أي: قالوا للمنكرين: لقد لبثتم، { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ } ، الذي كنتم تنكرونه في الدنيا، { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ } ، يعني عذرهم، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ، لا يطلب منهم العُتبى والرجوع في الآخرة، قرأ أهل الكوفة: { لا ينفع } بالياء هاهنا وفي " حم " المؤمن ووافق نافع في " حم " المؤمن، وقرأ الباقون بالتاء فيهما. { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتُمْ بِـئَايَةٍ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ } ، ما أنتم إلاَّ على باطل. { كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } توحيد الله. { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، في نصرتك وإظهارك على عدوك { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } ، ولا يستجهلنك، معناه: لا يحملنّك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي. وقيل: لا يستخفن رأيك وحلمك، { ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } ، بالبعث والحساب.