الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: حجة وعذراً. وقال قتادة: كتاباً، { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } ، ينطق، { بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } ، أي: ينطق بشركهم ويأمرهم به. { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } ، أي: الخصب وكثرة المطر، { فَرِحُواْ بِهَا } ، يعني فرح البَطَر، { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } ، أي: الجدب وقلة المطر، ويقال: الخوف والبلاء { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ، من السيئات، { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } ، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة. { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. قوله تعالى: { فئَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } ، من البر والصلة، { وَٱلْمِسْكِينَ } ، وحقه أن يتصدق عليه، { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } ، يعني: المسافر، وقيل: هو الضيف، { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } يطلبون ثواب الله بما يعملون، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }. قوله عزّ وجلّ: { وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً } ، قرأ ابن كثير: «أتيتم» مقصوراً وقرأ الآخرون بالمدّ، أي: أعطيتم، ومن قصر فمعناه: ما جئتم من ربا، ومجيؤهم ذلك على وجه الإِعطاء كما تقول: أتيت خطئاً، وأتيت صواباً، فهو يؤول في المعنى إلى قول مَنْ مدّ. { لِّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } ، قرأ أهل المدينة، ويعقوب: " لتُرْبُوا " بالتاء وضمها وسكون الواو على الخطاب، أي: لتُرْبُوا أنتم وتصيروا ذوي زيادة من أموال الناس، وقرأ الآخرون بالياء وفتحها، ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا لقوله: { فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } ، في أموال الناس، أي: في اختطاف أموال الناس واجتذابها. واختلفوا في معنى الآية فقال سعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس، وقتادة، والضحاك، وأكثر المفسرين: هو الرجل يعطي غيره العطية ليثيب أكثر منها فهذا جائز حلال، ولكن لا يثاب عليها في القيامة، وهو معنى قوله عزّ وجلّ: " فلا يربوا عند الله " ، وكان هذا حراماً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لقوله تعالى:وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6]، أي: لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت. وقال النخعي: هو الرجل يعطي صديقه أو قريبه ليكثر ماله ولا يريد به وجه الله. وقال الشعبي: هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ما له التماس عونه، لا لوجه الله، فلا يربوا عند الله لأنه لم يرد به وجه الله تعالى. { وَمَآ ءاتَيْتُمْ مِّن زَكَوٰةٍ } ، أعطيتم من صدقة { تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } ، يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشر أمثالها، فالمضعف ذو الأضعاف من الحسنات، تقول العرب: القوم مهزولون ومسمنون: إذا هزلت أو سمنت إبلهم. { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَىْءٍ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.