الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }

{ الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } سبب نزول هذه الآية على - ما ذكره المفسرون:- أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودّون أن تغلب فارس الروم، لأن أهل فارس كانوا مجوساً أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس، لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشاً إلى الروم واستعمل عليها رجلاً يقال له شهريراز، وبعث قيصر جيشاً إلى فارس واستعمل عليهم رجلاً يدعى يحفّس، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارسٌ الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة، فشقَّ عليهم، وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنطهرنّ عليكم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال: فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا فوالله ليظهرنّ على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا، فقام إليه أُبيّ بن خلف الجمحي فقال: كذبت، فقال: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: اجعل بيننا أجلاً أُناحِبُك عليه - والمناحبة: المراهنة - على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمتُ وإن ظهرت فارس غرمتَ، ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، وذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بيني الثلاث إلى التسع، فزايِدْه في الخطر ومادَّه في الأجل " ، فخرج أبو بكر ولقي أبيّاً، فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا، فتعال أزايدك في الخطر وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين، وقيل إلى سبع سنين، قال قد فعلت. فلما خشي أُبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه، وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقِمْ لي كفيلاً، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر، فلما أراد أُبيّ بن خلف أن يخرج إلى أُحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه، فقال: لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلاً، فأعطاه كفيلاً، ثم خرج إلى أُحد ثم رجع أُبيّ بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بارزه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. وقيل: كان يوم بدر. قال الشعبي: لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة، وفيها صاحبُ قمارهم أُبيّ بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر أبو بكر أبيّاً وأخذ مال الخطر من ورثته، فجاء به يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2