قوله عزّ وجلّ: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ، وذلك أنّ أهل الكتاب اختلفوا فادّعى كل واحد أنه على دين إبراهيم عليه السلام واختصموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقضى النبي صلّى الله عليه وسلم: " كِلاَ الفريقين بريء من دين إبراهيم عليه السلام " ، فغضبوا وقالوا: لا نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله تعالى: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ، قرأ أبو جعفر وأهل البصرة وحفص عن عاصم { يَبْغُونَ } بالياء لقوله تعالى { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى { لَمَآ ءَاتَيْتُكُم } ، { وَلَهُ أَسْلَمَ } ، خضع وانقاد، { مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } ، فالطوع: الانقياد والاتباع بسهولة، والكره: ما كان بمشقة وإباءٍ من النفس. واختلفوا في قوله: «طوعاً وكرهاً» قال الحسن: أسلم أهل السموات طوعاً وأسلم من في الأرض بعضهم طوعاً وبعضهم كرهاً، خوفاً من السيف والسبي، وقال مجاهد: طوعاً المؤمن، وكرهاً ذلك الكافر، بدليل:{ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [الرعد: 15] وقيل: هذا يوم الميثاق حين قال لهم:{ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172]، فقال بعضهم: طوعاً وبعضهم: كرهاً، وقال قتادة: المؤمن أسلم طوعاً فنفعه، والكافر أسلم كرهاً في وقت اليأس فلم ينفعه، قال الله تعالى:{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85] وقال الشعبي: هو استعاذتهم به عند اضطرارهم، كما قال الله تعالى:{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [العنكبوت: 65]. وقال الكلبي: طوعاً الذي وُلد في الإِسلام، وكرهاً الذين أُجبروا على الإِسلام ممن يُسبى منهم فيجاء بهم في السلاسل، { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ، قرأ بالياء حفص عن عاصم ويعقوب كما قرأ { يَبْغُونَ } بالياء وقرأ الباقون بالتاء فيهما إلا أبو عمرو فإنه قرأ { يبغون } بالياء و { ترجعون } بالتاء، قال: لأن الأول خاص والثاني عام، لأن مرجع جميع الخلق إلى الله عزّ وجلّ. قوله تعالى: { قُلْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ، ذكر الملل والأديان واضطراب الناس فيها، ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقول: «آمنا بالله» الآية. قوله: { ومَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإِسلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } ، نزلت في اثني عشر رجلاً ارتدّوا عن الإِسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفاراً، منهم الحارث بن سويد الأنصاري، فنزل فيهم { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ }. { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } لفظة استفهام ومعناه جحد، أي: لا يهدي الله، وقيل معناه: كيف يهديهم الله في الآخرة إلى الجنة والثواب { وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }.