الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قال الله تعالى: { هُنَالِكَ } أي عند ذلك { دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } فدخل المحراب [وأغلق الباب] وناجى ربه { قَالَ رَبِّ } أي يا رب { هَبْ لِى } أعطني { مِن لَّدُنْكَ } أي من عندك { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } أي ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً، والذرية تكون واحداً وجمعاً، ذكراً وأنثى، وهو هاهنا واحد، بدليل قوله عز وجل:فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [مريم: 5] وإنما قال: طيبة لتأنيث لفظ الذرية { إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } أي سامعه، وقيل مجيبه، كقوله تعالى:إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } [يس: 25] أي فأجيبوني. { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء، والآخرون بالتاء، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيهم أحسن كقوله تعالى:قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ } [الحجرات: 14] وعن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يذكر الملائكة في القرآن. قال أبو عبيدة: إنما نرى عبد الله اختار ذلك خلافاً للمشركين في قولهم الملائكة بنات الله تعالى، وروى الشعبي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياءً وذكِّروا القرآن. وأراد بالملائكة هاهنا: جبريل عليه السلام وحده، كقوله تعالى في سورة النحل «ينزل الملائكة» يعني جبريل بالروح بالوحي، ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم: سمعت هذا الخبر من الناس، وإنما سمع من واحد، نظيره قوله تعالى:ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } [آل عمران: 173] يعني نعيم بن مسعود «إن الناس» يعني أبا سفيان بن حرب، وقال المفضل بن سلمة: إذا كان القائل رئيساً يجوز الإِخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه، وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقلَّ ما يبعث إلا ومعه جمع، فجرى على ذلك. قوله تعالى: { وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ } أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان، فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول، فبينما هو قائم يصلي في المحراب، يعني في المسجد عند المذبح يصلي، والناس ينتظرون أن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه، وهو جبريل عليه السلام، يا زكريا { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ } قرأ ابن عامر وحمزة إن الله بكسر الألف على إضمار القول تقديره: فنادته الملائكة فقالت { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ } وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه، كأنه قال: فنادته الملائكة بأن الله يبشرك، قرأ حمزة يبشرك وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا قوله:فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [الحجر: 54] فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقه الكسائي هاهنا في الموضعين وفي سبحان والكهف وعسق ووافق ابن كثير وأبو عمرو في «عسق» والباقون بالتشديد، فمن قرأ بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيراً، وهو أعرب اللغات وأفصحها.

السابقالتالي
2