{ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً } يعني: محمداً صلّى الله عليه وسلم، قاله ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وأكثر الناس، وقال القرظي: يعني القرآن، فليس كل أحد يلقى النبي صلّى الله عليه وسلم، { يُنَادِى لِلإِيمَـٰنِ } ، أي: إلى الإِيمان، { أَنْ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَـآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَـٰتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } ، أي: في جملة الأبرار. { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } ، أي: على ألسِنَةِ رُسلك، { وَلاَ تُخْزِنَا } ، ولا تُعذبنا ولا تفضحنا ولا تُهنا، { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }. فإن قيل: ما وجه قولهم: { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } ، وقد علموا أن الله لا يُخلف الميعاد؟ قيل: لفظه دعاء ومعناه خبر، أي: لتؤتينا ما وعدتنا على رُسلك، تقديره: { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَـٰتِنَا } { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لِتُؤتِينَا ما وعدتَنا على رُسلك من الفضلِ والرحمة، وقيل: معناه ربّنا واجعلنا ممن يستحقون ثوابَك وتؤتيهم ما وعدتهم على ألسِنَةِ رُسلك لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم لتلك الكرامة، فسألوه أن يجعلهم مستحقين لها، وقيل: إنما سألوه تعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء، قالوا: قد عَلِمنَا أنك لا تخلف، ولكن لا صبرَ لنا على حِلمك فعجِّل خزيهم وانصرنا عليهم. قوله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي } أي: بأني: { لاَ أُضِيعُ } ، لا أُحبط، { عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } ، أيها المؤمنون { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ }. قال مجاهد: قالت أم سلمة يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فأنزل صلّى الله عليه وسلم تعالى هذه الآية، { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ }. قال الكلبي: في الدين والنصرة والموالاة، وقيل: كلكم من آدم وحواء، وقال الضحاك: رجالكم شكل نسائكم ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة، كما قال:{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [التوبة: 71]. { فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } ، أي: في طاعتي وديني، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة، { وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ }. قرأ ابن عامر وابن كثير { قتلوا } ، بالتشديد، وقال الحسن: يعني أنهم قطعوا في المعركة، والآخرون بالتخفيف، وقرأ أكثر القراء: { وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ } يريد أنهم قاتلوا العدو ثم انهم قُتلوا، وقرأ حمزة والكسائي { قتلوا وقاتلوا } وله وجهان، أحدهما: معناه وقاتل من بقي منهم، ومعنى قوله { وَقُتِلُواْ } أي: قُتل بعضهم، تقول العرب قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم، والوجه الآخر { وَقُتِلُواْ } وقد قاتلوا، { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَـٰتِهِمْ وَلأًدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ } ، نصب على القطع قاله الكسائي، وقال المبرد: مصدر، أي: لأثيبنهم ثواباً، { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ }.