الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } الآية، قرأ عاصم وحمزة والكسائي { لا تَحْسَبَنَّ } بالتاء، أي: لا تحسبن يا محمد الفارِحين، وقرأ الآخرون بالياء { لا يحسبن } الفارِحُون فرحَهم مُنجياً لَهم من العذاب فلا يحسبنهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالياء وضم الباء خبراً عن الفارحين، أي فلا يحسبُنَّ أنفسهم، وقرأ الآخرون بالتاء وفتح الباء، أي: فلا تحسبنّهم يا محمد، وأعاد قوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } تأكيداً، وفي حرف عبد الله بن مسعود { ولا يحسبنّ الذينَ يفرحون بما أَتوا ويُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلُوا بمفازةٍ من العذاب } من غير تكرار. واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سعيد بن أبي مريم أنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } الآية. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن موسى أنا هشام أن ابن جريج أخبرهم: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقل له: لئن كان كل امرىء فرح بما أُوتي وأحب أن يُحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه إنّما دعا النبي صلّى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إيّاه فأخبروه بغيره فأروه أن قد استُحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما { وَإِذَ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } كذلك حتى قولِه: { يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ }. قال عكرمة: نزلت في فنحاص وأُشيَع وغيرهما من الأحبار يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إيّاهم إلى العلم وليسوا بأهل العلم. وقال مجاهد: هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إيّاهم عليه. وقال سعيد بن جبير: هم اليهود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم وهم برآء من ذلك. وقال قتادة ومقاتل: أتت يهودُ خيبر نبي الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: نحن نعرفك ونصدقك وإنا على رأيكم ونحن لكم ردء، وليس ذلك في قلوبهم، فلما خرجوا قال لهم المسلمون: ما صنعتم؟ قالوا: عرفناه وصدقناه، فقال لهم المسلمون: أحسنتم هكذا فافعلوا، فحمدوهم ودعوا لهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: { يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } قال الفراء بما فعلوا، كما قال الله تعالى:لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } [مريم: 27] أي: فعلت، { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } ، بمنجاة، { مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.