الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } الآية. قال عكرمة ومقاتل والكلبي وابن جريج: نزلت الآية في أبي بكر وفنحاص بن عازوراء، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص بن عازوراء سيد بني قينقاع ليستمدّه، وكتب إليه كتاباً وقال لأبي بكر رضي الله عنه: " لا تفتاتَنَّّ عليّ بشيء حتى ترجع " ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه وهو متوشح بالسيف فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: قد احتاج ربُّك إلى أن نمده، فهمّ أبو بكر رضي الله عنه أن يضربه بالسيف، ثم ذكر قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تفتاتَنَّّ عليّ بشيء حتى ترجع»، فكف فنزلت هذه الآية. وقال الزهري: نزلت في كعب بن الأشرف فإنه كان يهُجو رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم ويسبّ المسلمين، ويحرض المشركين على النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، في شعره ويشبب بنساء المسلمين، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ لي بابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله»؟. فقال محمد بن مسلمة الأنصاري: أنا لك يا رسول الله، أنا أقتله، قال: «فافعلْ إن قدرت على ذلك». فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق به نفسه، فذُكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاه، وقال له: لِمَ تركتَ الطعامَ والشراب؟ قال: يا رسول الله قلت قولاً ولا أدري هل أفي به أم لا، فقال: إنما عليك الجهد. فقال: يا رسول الله إنه لا بدّ لنا من أن نقول، قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حلٍ من ذلك، فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسَلْكانُ بنُ سلام وأبو نائلة، وكان أخا كعب من الرضاعة، وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبو عيسى بن جُبير، فمشى معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجّههم، وقال: «انطلقوا على اسم الله اللّهم أعنهم»، ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وذلك في ليلة مقمرة. فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فقدّموا أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا الشعر، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يا بن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتُمْ عليّ، قال: أفعل، قال: كان قدوم هذا الرجل بلادَنا بلاءً، عادتْنا العربُ ورمونا عن قوس واحدة، وانقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت الأنفس، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أمَا والله لقد كنت أخبرتك يا بن سلامة أن الأمر سيصير إلى هذا، فقال أبو نائلة: إن معي أصحاباً أردنا أن تبيعنا طعامَك ونُرهنك ونوثّق لك وتحسن في ذلك، قال: أترهنوني أبناءكم، قال: إنا نستحي إن يُعيَّرَ أبناؤنا فيقال هذا رهينةُ وَسْقٍ، وهذا رهينة وَسْقَيْن، قال: ترهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنُكَ نساءَنا وأنت أجمل العرب ولا نأمنك، وأية امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك الحلقة، يعني: السلاح، وقد علمت حاجتنا إلى السلاح، قال: نعم، وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح إذا رآه فوعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم خبره.

السابقالتالي
2