الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ، قرأ ابن كثير { وكائن } ، بالمد والهمزة على وزن فاعل، وتليين الهمزة أبو جعفر، وقرأ الآخرون { وَكَأَيِّن } بالهمز والتشديد على وزن كعين، ومعناه: وكم، وهي كاف التشبيه ضُمت إلى أي الاستفهامية، ولم يقع للتنوين صورةٌ في الخط إلاّ في هذا الحرف خاصة، ويقف بعض القراء على { وكأيّ } بلا نون، والأكثرون على الوقف بالنون، قوله { قَاتَلَ } قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة بضم القاف، وقرأ الآخرون { قَاتَلَ } فمن قرأ { قَاتَلَ } فلقوله: { فَمَا وَهَنُواْ } ويستحيل وصفهم بأنهم لم يهنوا بعدما قتلوا، لقول سعيد بن جبير: ما سمعنا أن نبياً قُتل في القتال، ولأنّ { قَاتَلَ } أعم. قال أبو عبيدة: إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قُتل داخلاً فيه، وإذا حمد من قُتل لم يدخل فيه غيرهم، فكان { قَاتَلَ } أعم. ومن قرأ { قُتل } فله ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون القتل راجعاً إلى النبي وحده، فيكون تمام الكلام عند قوله { قتل } ، ويكون في الآية إضمار معناه: ومعه ربيون كثير، كما يقال: قتل فلان معه جيش كثير، أي: ومعه. والوجه الثاني: أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين، ويكون المراد: بعض من معه، تقول العرب قتلنا بني فلان، وإنما قتلوا بعضَهم، ويكون قوله { فَمَا وَهَنُواْ } راجعاً إلى الباقين. والوجه الثالث: أن يكون القتل للربيين لا غير. وقوله { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: جموع كثيرة، وقال ابن مسعود: الربيون الألوف، وقال الكلبي الرَّبِّيةُ الواحدة: عشرة آلاف، وقال الضحاك: الربية الواحدة: ألف، وقال الحسن: فقهاء علماء وقيل: هم الأتباع، والربانيون الولاة، والربيون الرعية، وقيل: منسوب إلى الرب وهم الذين يعبدون الرب، { فَمَا وَهَنُواْ } أي: فما جَبُنُوا، { لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ } ، عن الجهاد بما نالهم من ألمِ الجراح، وقَتْلِ الأصحاب. { وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } قال مقاتل: وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم، وقال السدي: وما ذلوا، قال عطاء وما تضرعوا، وقال أبو العالية: وما جبنوا ولكنهم صبروا على أمرِ رَبّهم وطاعة نبيهم وجهاد عدوهم، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ }.