الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }

ثم قال: { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } ، أراد به ما كانوا يفعلونه عند حلول أجل الدَّين من زيادةِ المال وتأخير الطلب، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في أمر الرِّبا فلا تأكلوه، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. ثم خوّفهم فقال: { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِىۤ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ }. { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، لكي ترحموا. { وَسَارِعُوۤاْ } قرأ أهل المدينة والشام سارعوا بلا واو، { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ، أي بادروا وسابقوا إلى الأعمال التي تُوجب المغفرة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إلى الإِسلام، ورُوي عنه: إلى التوبة، وبه قال عكرمة، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إلى أداء الفرائض، وقال أبو العالية: إلى الهجرة، وقال الضحاك: إلى الجهاد، وقال مقاتل: إلى الأعمال الصالحة. رُوي عن أنس بن مالك أنها التكبيرة الأولى. { وَجَنَّةٍ } أي وإلى جنّةٍ { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأرْضُ } ، أي: عرضها كعرض السماوات والأرض، كما قال في سورة الحديد:وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الحديد: 21] أي: سَعَتُها، وإنما ذكر العرض على المبالغة لأن طول كل شيء في الأغلب أكثر من عرضه، يقول: هذه صفة عَرْضِها فكيفَ طُولها؟ قال الزهري: إنما وصف عرضَها فأمّا طولها فلا يعلمه إلا الله، وهذا على التمثيل لا أنها كالسموات والأرض لا غير، معناه: كعرض السموات السبع والأرضين السبع عند ظنكم، كقوله تعالى:خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [هود: 107] يعني: عند ظنكم وإلا فهما زائلتان، وروي عن طارق بن شهاب أن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه رضي الله عنهم، وقالوا: أرأيتم قولَهُ { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأرْضُ } فأين النار؟ فقال عمر: أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار، وإذا جاء النهار فأين يكون الليل؟ فقالوا: إنه لمثلها في التوراة، ومعناه أنه حيث يشاء الله. فإن قيل: قد قال الله تعالى:وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] وأراد بالذي وعدَنَا: الجنة فإذا كانتِ الجنةُ في السماء فكيف يكون عرضُها السموات والأرض؟ وقيل: إن باب الجنة في السماء وعرضها السموات والأرض، كما أخبر، وسُئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة: أفي السماء هي أم في الأرض؟ فقال: وأيّ أرض وسماء تسع الجنة؟ فقيل: فأين هي؟ قال: فوق السمواتِ السبعِ تحتَ العرش. وقال قتادة: كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع، وأن جهنم تحتَ الأرضين السبع { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }.