الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قوله تعالى: { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }. { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء فيهما، إخبار عن الأمة القائمة، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما، لقوله { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } ، وأبو عمرو يرَى القراءتين جميعاً، ومعنى الآية: وما تفعلوا من خير فلن تُعدموا ثوابَه، بل يشكر لكم وتجازون عليه، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } ، بالمؤمنين. { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ، أي: لا تدفع أموالهم بالفدية وأولادهم بالنصرة شيئاً من عذاب الله، وخصهما بالذكر لأن الإِنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد. { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } ، وإنّما جعلهم من أصحابها لأنهم أهلها لا يخرجون منها ولا يُفارقونها، كصاحب الرجل لا يفارقه. { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، قيل: أراد نفقات أبي سفيان وأصحابه ببدرٍ وأُحد على عداوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال مقاتل: نفقة اليهود على علمائهم، قال مجاهد: يعني جميع نفقات الكفار [في الدنيا] وصدقاتهم، وقيل: أراد إنفاق المرائي الذي لا يبتغي به وجهَ الله تعالى، { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } ، [حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها السَّموم الحارة التي تقتل، وقيل:] فيها صِرٌّ أي: صوت، وأكثر المفسرين قالوا: فيها برد شديد، { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ } زرعَ قوم، { ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } ، بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى، { فَأَهْلَكَتْهُ }. فمعنى الآية: مثل نفقات الكفار في ذهابها وقت الحاجة إليها كمثل زرع أصابته ريح باردة فأهلكته أو نار فأحرقته فلم ينتفع أصحابه منه بشيء، { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } ، بذلك، { وَلَـٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، بالكفر والمعصية.