قوله تعالى: { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } ، قالا مقاتل: إن رؤوس اليهود عمدُوا إلى مَنْ آمن منهم عبد الله ابن سلام وأصحابه، فآوذهم فأنزل الله تعالى: «لن يضروكم إلا أذى» يعني لا يضروكم أيها المؤمنون هؤلاء اليهود إلا أذىً باللسان: وَعيداً وطعناً، وقيل: كلمة كفر تتأذون بها { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ } ، منهزمين، { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ، بل يكون لكم النصر عليهم. { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } ، حيثُ ما وُجدوا { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني: أينما وُجدوا استُضعفُوا وقُتلوا وسُبُوا فلا يأمنُون إلا بحبلٍ من الله: عهدٍ منَ الله تعالى بأن يسلموا، { وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } من المؤمنين ببذلِ جزيةٍ أو أمانٍ، يعني: إلا أن يُعصمُوا بحبل الله فيأمنوا. قوله تعالى: { وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } ، رجعوا به، { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }. قوله تعالى: { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه، قالت أحبار اليهود: ما آمن بمحمد صلّى الله عليه وسلم إلا شرارُنا ولولا ذلك ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. واختلفوا في وجهها فقال قوم: فيه اختصار تقديره: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمةٌ قائمة وأخرى غير قائمة، فتركَ الأخرى اكتفاءً بذكر أحد الفريقين، وقال الآخرون: تمام الكلام عند قوله { لَيْسُواْ سَوَآءً } وهو وقف لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى: { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } [ثم قال: { لَيْسُواْ سَوَآءً } يعني: المؤمنين والفاسقين]، ثم وصف الفاسقين، فقال: { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } ووصف المؤمنين بقوله { أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ }. وقيل: قوله { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } ابتداء بكلام آخر، لأن ذكر الفريقين قد جرى، ثم قال: ليس هذان الفريقان سواءً، ثم ابتدأ فقال: من أهل الكتاب. قال ابن مسعود رضي الله عنه معناه: لا يستوي اليهود وأمة محمد صلّى الله عليه وسلم القائمة بأمر الله الثابتة على الحق، المستقيمة، وقوله تعالى: { أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } قال ابن عباس: أي مهتدية قائمة على أمر الله لم يضيّعُوه ولم يتركوه. وقال مجاهد: عادلة. وقال السدي: مطيعة قائمة على كتاب الله وحدوده، وقيل: قائمة في الصلاة. وقيل: الأمة الطريقة. ومعنى الآية: أي ذو أُمةٍ، أي: ذَو طريقةٍ مستقيمة. { يَتْلُونَ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ } ، يقرؤون كتابَ الله، وقال مجاهد: يتبعون { ءَانَآءَ ٱللَّيْلِ } ، ساعاته، واحدها: إنيٌ مثل نحى وأنحاء، وإنىً وآناء مثل: مِعَىً وأمعاء، وإِنى مثل منا وأمناء. { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } أي: يصلون، لأن التلاوة لا تكون في السجود. واختلفوا في معناها، فقال بعضهم: هي في قيام الليل، وقال ابن مسعود هي صلاة العتمة يصلونها ولا يصليها من سواهم من أهل الكتاب.