الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } * { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ }

{ بَلْ هُوَ ءَايَـٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ } ، قال الحسن: يعني القرآن آيات بينات، { فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } ، يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: بل هو يعني ـ محمداً صلى الله عليه وسلم ـ ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب، لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم، { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّـٰلِمُونَ }. { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِ } ، كما أنزل على الأنبياء من قبل، قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: " آية " على التوحيد، وقرأ الآخرون: " آيات من ربه " ، لقوله عزّ وجلّ: { قُلْ إِنَّمَا ٱلأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } ، وهو القادر على إرسالها إذا شاء أرسلها، { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ، أنذر أهل المعصية بالنار، وليس إنزال الآيات بيدي. { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } ، هذا الجواب لقوله: { لولا أنزل عليه آيات من ربه } قال: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } ، يعني: أولم يكفهم من الآيات القرآن يتلى عليهم، { إِنَّ فِى ذٰلِكَ } ، في إنزال القرآن، { لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، أي: تذكيراً وعظة لمن آمن وعمل به. { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } ، أني رسوله وهذا القرآن كتابه، { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } ، قال ابن عباس: بغير الله. وقال قتادة: بعبادة الشيطان، { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ }. { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } ، نزلت في النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء، { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } ، قال ابن عباس: ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة كما قال:بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [القمر: 46] وقال الضحاك: مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب، وقيل: يوم بدر، { لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ } ، يعني العذاب وقيل الأجل، { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، بإتيانه. { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } ، أعاده تأكيداً، { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } ، جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا دخلها. { يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } ، يعني: إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم كما قال:لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف: 41]، { وَيِقُولُ ذُوقُواْ } ، قرأ نافع، وأهل الكوفة: «ويقول» بالياء، أي: ويقول لهم الموكل بعذابهم: وقرأ الآخرون بالنون لأنه لما كان بأمره نسب إليه، { مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، أي: جزاء ما كنتم تعملون. { يـَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ } ، قال مقاتل والكلبي: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة، يقول: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإِيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة، إن أرضي ـ يعني المدينة ـ واسعة آمنة. قال مجاهد: إنّ أرضي المدينة واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها. وقال سعيد بن جبير: إذا عمل في الأرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة. وقال عطاء: إذا أُمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة. وكذلك يجب على كل من كان في بلد يُعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له العبادة. وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة، وقالوا: نخشى، إن هاجرنا، من الجوع وضيق المعيشة، فأنزل الله هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج. وقال مطرف بن عبد الله: " أرضي واسعة " أي رزقي لكم واسع فاخرجوا.