الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ } ، صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من المال والزينة يتندمون على ذلك التمني، والعرب تعبر عن الصيرورة بأضحى وأمسى وأصبح تقول: أصبح فلان عالماً وأضحى معدماً وأمسى حزيناً، { يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ } ، اختلفوا في معنى هذه اللفظة، قال مجاهد: ألم تعلم، وقال قتادة: ألم ترَ. قال الفراء: هي كلمة تقرير كقول الرجل أما ترى إلى صنع الله وإحسانه. وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك؟ فقال: ويكأنه وراء البيت، يعني أما ترينه وراء البيت. وعن الحسن: أنه كلمة ابتداء تقديره: أن الله يبسط الرزق. وقيل: هو تنبيه بمنزلة ألا وقال قطرب: " ويك " بمعنى ويلك، حذفت منه اللام، كما قال عنترة:
وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وأَبْرَأَ سُقْمَهَا   قَوْلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
أي: ويلك، و " إن " منصوب بإضمار اعلم أن الله، وقال الخليل: " وي " مفصولة من " كأن " ومعناها التعجب كما تقول: وي لم فعلت ذلك! وذلك أن القوم تندموا فقالوا: وي! متندمين على ما سلف منهم وكأن معناه أظن ذلك وأقدره، كما تقول كأن: الفرج قد أتاك أي: أظن ذلك وأقدره، { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } ، أي: يوسع ويضيق، { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } ، قرأ حفص، ويعقوب: بفتح الخاء والسين، وقرأ العامة بضم الخاء وكسر السين، { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ }. قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأَرْضِ } ، قال الكلبي ومقاتل: استكباراً عن الإِيمان، وقال عطاء: " علواً " استطالةً على الناس وتهاوناً بهم. وقال الحسن: لم يطلبوا الشرف والعز عند ذي سلطان. وعن علي رضي الله عنه: أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل المقدرة، { وَلاَ فَسَاداً } قال الكلبي: هو الدعاء إلى عبادة غير الله. وقال عكرمة: أخذ أموال الناس بغير حق. وقال ابن جريج ومقاتل: العمل بالمعاصي. { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ، أي: العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب معاصيه. وقال قتادة: الجنة للمتقين. قوله تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ } ، أي أنزل عليك القرآن على قول أكثر المفسرين، وقال عطاء: أوجب عليك العمل بالقرآن، { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ، إلى مكة، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول مجاهد، قال القتيبي: معاد الرجل: بلده، لأنه ينصرف ثم يعود إلى بلده، وذلك. أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا خرج من الغار مهاجراً إلى المدينة سار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة اشتاق إليها، فأتاه جبريل عليه السلام وقال: أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ قال: نعم، قال: فإن الله تعالى يقول: { إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ، وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية.

السابقالتالي
2