الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ }

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني الأحبار من بني إسرائيل. وقال مقاتل: أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة، قالوا للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون في الدنيا: { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ } ، يعني ما عند الله من الثواب والجزاء خير { لِّمَنْ ءَامَنَ } ، صدق بتوحيد الله، { وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } ، مما أُوتي قارون في الدنيا، { وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّـٰبِرُونَ } ، قال مقاتل: لا يؤتاها، يعني الأعمال الصالحة. وقال الكلبي لا يعطاها في الآخرة. وقيل: لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله: " ويلكم ثواب الله خير " إلا الصابرون على طاعة الله وعن زينة الدنيا. قوله عزّ وجلّ: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } قال أهل العلم بالأخبار: كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم وكان حسن الصوت فبغى وطغى، وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطاً أربعة في كل طرف خيطاً أزرر كلون السماء، يذكرون به إذا نظروا إليها، ويعلمون أني منزل منها كلامي، فقال موسى: يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضراً فإن بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط، فقال له ربه: يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا هم لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير، [فدعاهم موسى عليه السلام]، وقال: إن الله يأمركم أن تعقلوا في أرديتكم خيوطاً خضراً كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها، ففعلت بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى، واستكبر قارون فلم يطعه، وقال إنما يفعل هذا الأربابُ بعيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم، فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون، وهي رياسة المذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بهديهم إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله، فوجد قارون من ذلك في نفسه وأتى موسى فقال: يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة، ولستُ في شيء من ذلك، وأنا أقرأ التوراة لا صبر لي على هذا. فقال له موسى: ما أنا جعلتها في هارون بل الله جعلها له. فقال قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه، فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال: هاتوا عصيكم، فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد الله فيها، فجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا، فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز، فقال موسى: يا قارون ترى هذا؟ فقال قارون: والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر، واعتزل قارونُ موسى بأتباعه، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد إلا عتواً وتجبراً ومعاداةً لموسى، حتى بنى داراً وجعل بابها من الذهب، وضرب على جدرانها صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيعطمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.

السابقالتالي
2 3