الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } * { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ، يعني: بني إسرائيل، { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } ، قادة في الخير يقتدى بهم. وقال قتادة: ولاة وملوكاً دليله، قوله عزّ وجلّ:وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [المائدة: 20]، وقال مجاهد: دعاة إلى الخير. { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } ، يعني: أملاك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم. { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } ، نوطّن لهم في أرض مصر والشام، ونجعلها لهم مكاناً يستقرون فيه، { وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا } ، قرأ الأعمش، وحمزة، والكسائي: «ويرى» بالياء وفتحها، { فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا } ، مرفوعات على أن الفعل لهم، وقرأ الآخرون بالنون وضمها، وكسر الراء، ونصب الياء ونصب ما بعده، بوقوع الفعل عليه، { مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } ، والحذر هو التوقي من الضرر، وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل فكانوا على وَجَلٍ منه، فأراهم الله ما كانوا يحذرون. { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } ، وهو وحي إلهام لا وحي نبوة، قال قتادة: قذفنا في قلبها، وأم موسى يوخانذ بنت لاوى بن يعقوب، { أَنْ أَرْضِعِيهِ } ، واختلفوا في مدة الرضاعّ، قيل: ثمانية أشهر. وقيل: أربعة أشهر. وقيل: ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها، وهو لا يبكي ولا يتحرك، { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } ، يعني: من الذبح، { فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمِّ } ، واليم: البحر، وأراد هاهنا النيل، { وَلاَ تَخَافِى } ، قيل: لا تخافي عليه من الغرق، وقيل: من الضيعة، { وَلاَ تَحْزَنِىۤ } ، على فراقه، { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }. روى عطاء عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر، استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فسلَّط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يدي نبيه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن أم موسى لما تقاربت ولادتها وكانت قابلةٌ من القوابل التي وكَّلهن فرعون بحُبَالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى، فلما ضرب بها الطلق أرسلت إليها فقالت: قد نزل بي ما نزل، فلينفعني حبك إيّاي اليوم، قالت: فعالجت قبالتها، فلما أن وقع موسى بالأرض هَالَها نورٌ بين عيني موسى، فارتعش كل مفصل منها، ودخل حب موسى قلبها. ثم قالت لها: يا هذا ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن رأيي قتل مولودك، ولكن وجدت لابنك هذا حباً ما وجدت حب شيء مثل حبه، فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون، فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى، فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفَّتْ موسى في خرقة، فوضعته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها، فلم تعقل ما تصنع. قال: فدخلوا فإذا التنور مسجور، ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن، فقالوا لها: ما أدخل عليك القابلة؟ قالت: هي مصافية لي فدخلت عليّ زائرة فخرجوا من عندها، فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى: فأين الصبي؟ قالت: لا أدري، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه برداً وسلاماً، فاحتملته.

السابقالتالي
2 3