الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }

{ فَلَمَّآ أَتَـٰهَا نُودِىَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِى ٱلأَيْمَنِ } ، من جانب الوادي الذي عن يمين موسى، { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } ، لموسى، جعلها مباركة لأن الله كلّم موسى هناك وبعثه نبياً. وقال عطاء: يريد المقدسة، { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } ، من ناحية الشجرة. قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة. قال وهب من العُلَّيق، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها العنَّاب، { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّىۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }. { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ } ، تتحرك، { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } ، وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها، { وَلَّىٰ مُدْبِراً } ، هارباً منها، { وَلَمْ يُعَقِّبْ } ولم يرجع، فنودي، { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ }. { ٱسْلُكْ } ، أدخل { يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } ، برص، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } ، قرأ أهل الكوفة والشام بضم الراء وسكون الهاء، وبفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف. ومعنى الآية: إذا هَالَكَ أمرُ يدك وما ترى من شعاعها فأدخِلْها في جيبك تعدْ إلى حالتها الأولى. و " الجناح ": اليد كلها. وقيل: هو العضد. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. وقال مجاهد: كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع. وقيل: المراد من ضم الجناح السكون أي: سكن روعك واخفض عليك جأنبك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، ومثله قوله:وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } [الإسراء: 24]، يريد الرفق، وقوله:وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤمِنِينَ } [الشعراء: 215]، أي: ارفق بهم وأَلِنْ جانبك لهم. وقال الفراء: أراد بالجناح العصا، معناه: أضمم إليك عصاك. وقيل: " الرَّهْب " الكُمْ بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك، أي: في كمك، معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه. { فَذَانِكَ } ، يعني: العصا واليد البيضاء، { بُرْهَانَـٰنِ } ، آيتان، { مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }. { قَالَ رَبِّ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ }. { وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه، { فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً } ، عوناً، يقال ردأته أي: أعنته، قرأ نافع «رداً» بفتح الدال من غير همز طلباً للخفة، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزاً، { يُصَدِّقُنِى } ، قرأ عاصم، وحمزة: برفع القاف على الحال، أي: ردءاً مصدقاً، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع، قال مقاتل: لكي يصدقني فرعون، { إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } ، يعني فرعون وقومه.