الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } * { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

{ فَخَرَجَ مِنْهَا } ، موسى، { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } ، أي: ينتظر الطلب، { قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، الكافرين، وفي القصة: أن فرعون بعث في طلبه حين أُخبر بهربِهَ فقال اركبوا بنيات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق. { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } ، أي: قصد نحوها ماضياً إليها، يقال: داره تلقاء دار فلان، إذا كانت محاذيتها، وأصله من اللقاء، قال الزجاج: يعني سلك الطريق التي تلقاء مدين فيها، ومدين هو مدين بن إبراهيم، سميت البلدة باسمه، وكان موسى قد خرج خائفاً بلا ظهر ولا حذاء ولا زاد، وكانت مدين على مسيرة ثمانية أيام من مصر، { قَالَ عَسَىٰ رَبِّىۤ أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } ، أي: قصد الطريق إلى مدين، قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها قبل، فلما دعا جاءه مَلَك بيده عَنَزَة فانطلق به إلى مدين. قال المفسرون: خرج موسى من مصر ولم يكن له طعام إلاّ ورق الشجر والبقل، حتى كان يرى خضرته في بطنه، وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه. قال ابن عباس: وهو أول ابتلاء من الله عزّ وجلّ لموسى عليه السلام. { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } ، وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم، { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً } ، جماعة { مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } ، مواشيهم، { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } ، يعني: سوى الجماعة، { ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } ، يعني: تحبسان وتمنعان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الناس وتخلو لهما البئر، قال الحسن: تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس، وقال قتادة: تكفان الناس عن أغنامهما. وقيل: تمنعان أغنامهما عن أن تشذ وتذهب. والقول الأول أصوبهما، لما بعده، وهو قوله، { قَالَ } ، يعني: موسى للمرأتين، { مَا خَطْبُكُمَا } ، ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس؟ { قَالَتَا لاَ نَسْقِى } ، أغنامنا، { حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ } ، قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو، وابن عامر: «يَصْدُر» بفتح الياء وضم الدال على اللزوم، أي: حتى يرجع الرعاء عن الماء، وقرأ الآخرون: بضم الياء وكسر الدال، أي: حتى يصرفوا هم مواشيهم عن الماء، و " الرِّعاء " جمع راع، مثل تاجر وتجار. ومعنى الآية: لا نسقي مواشينا حتى يصدر الرعاء، لأنا امرأتان لا نطيق أن نسقي، ولا نستطيع أن نزاحم الرجال، فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض. { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } ، لا يقدر أن يسقي مواشيه، فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم. واختلفوا في اسم أبيهما، فقال مجاهد، والضحاك، والسدي والحسن: هو شعيب النبي عليه السلام. وقال وهب بن منبه، وسعيد بن جبير: هو يثرون بن أخي شعيب، وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كُفَّ بصره، فدفن بين المقام وزمزم. وقيل: رجل ممن آمن بشعيب. قالوا: فلما سمع موسى قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أُخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس.

السابقالتالي
2 3 4