الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

وقوله تعالى: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } ، أي: خالياً من كل شيء إلاّ من ذكر موسى وهمه، وهذا قول أكثر المفسرين. وقال الحسن: " فارغاً " أي: ناسياً للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن، والعهد الذي عهد أن يرده إليها ويجعله من المرسلين، فجاءها الشيطان فقال: كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنتِ قتله فألقيته في البحر، ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت: إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه، فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها. وقال أبو عبيدة: " فارغاً " أي: فارغاً من الحزن لعلمها بصدق وعد الله تعالى، وأنكر القتيبي هذا، وقال: كيف يكون هذا والله تعالى يقول: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلى قَلْبِها }؟ والأول أصح. قوله عزّ وجلّ: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } ، قيل الهاء في " به " راجعة إلى موسى، أي: كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها. وقال عكرمة عن ابن عباس: كادت تقول: وابناه. وقال مقاتل: لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها. وقال الكلبي: كادت تظهر أنه ابنها، وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شبَّ: موسى ابن فرعون، فشق عليها وكادت تقول: بلى هو ابني. وقال بعضهم: الهاء عائدة إلى الوحي أي: كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أن يردّه إليها. { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } ، بالعصمة والصبر والتثبيت، { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، المصدقين لوعد الله حين قال لها: { إِنَّا رادوهُ إِلَيْكِ }. { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ } ، أي: لمريم أخت موسى. { قُصِّيهِ } اتبعي أثره حتى تعلمي خبره، { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } أي: عن بعد، وفي القصة أنها كانت تمشي جانباً وتنظر اختلاساً تُري أنها لا تنظره، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أنها أخته وأنها ترقبه. قال ابن عباس: إن امرأة فرعون كان همها في الدنيا أن تجد له مرضعة، وكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها، فذلك قوله عزّ وجلّ: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } ، والمراد من التحريم المنع، والمراضع: جمع المرضع، { مِن قَبْلُ } ، أي: من قبل مجيء أم موسى، فلما رأت أختُ موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت لهم: هل أدلكم؟ وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثدياً ويصيح وهم في طلب مرضعة له. { فَقَالَتْ } ، يعني أخت موسى، { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ } ، أي يضمونه { لَكُمْ } ، ويرضعونه، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحبُّ شيء إليها أن تجد صغيراً ترضعه، { وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ } ، والنصح ضد الغش، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد، قالوا: نعم فَأتِينا بها.

السابقالتالي
2