الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } ، قائمة واقفة، { وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } ، أي: تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض. فتستوي بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر، كذلك سير الجبال لا يرى يوم القيامة لعظمتها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر، { صُنْعَ ٱللَّهِ } ، نصب على المصدر، { ٱلَّذِىۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ } ، أي: أحكم، { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } ، قرأ ابن كثير، وأهل البصرة: بالياء، والباقون بالتاء. { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } ، بكلمة الإِخلاص، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو معشر: كان إبراهيم يحلف ولا يستثني: أن الحسنة لا إله إلا الله. وقال قتادة: بالإِخلاص. وقيل: هي كل طاعة، { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } ، قال ابن عباس: فمنها يصل الخير إليه، يعني: له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو الثواب والأمن من العذاب، أما أن يكون له شيء خير من الإِيمان فلا، لأنه ليس شيء خيراً من قوله لا إله إلا الله. وقيل: فله خير منها يعني: رضوان الله، قال تعالى:وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72]، وقال محمد بن كعب، وعبد الرحمن بن زيد: " فله خير منها " يعني: الأضعاف، أعطاه الله تعالى بالواحدة عشراً فصاعداً، وهذا حسن لأن للأضعاف خصائص، منها: أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف، ومنها: أن للشيطان سبيلاً إلى عمله وليس له سبيل إلى الأضعاف، ولا مطمع للخصوم في الأضعاف، ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب تبارك وتعالى. { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ } ، قرأ أهل الكوفة: «من فزعٍ» بالتنوين " يومَئذٍ " بفتح الميم، وقرأ الآخرون بالإِضافة لأنه أعم فإنه يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وبالتنوين كأنه فزع دون فزع، ويفتح أهل المدينة الميم من يومئذٍ.