الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } ، أي: طلبها وبحت عنها، والتفقد: طلب ما فُقِد، ومعنى الآية: طلب ما فقد من الطير، { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } ، أي: ما للهدهد لا أراه، تقول العرب: مالي أراك كئيباً؟ أي: مالك؟ والهدهد: طائر معروف. وكان سبب تفقد الهدهد وسؤاله عنه، قيل: إخلاله بالنوبة، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلاً يظله وجندَه الطيرُ من الشمس، فأصابته الشمس من موضع الهدهد، فنظر فرآه خالياً. وروي عن ابن عباس: أن الهدهد كان دليل سليمان على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض، كما يرى في الزجاجة، ويعرف قربه وبعده فينقر الأرض، ثم تجيء الشياطين فيسلخونه ويستخرجون الماء. قال سعيد بن جبير: لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الأزرق: يا وصاف انظر ما تقول، إن الصبي منّا يضع الفخ ويحثو عليه التراب، فيجيء الهدهد ولا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه، فقال له ابن عباس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر. وفي رواية: إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر. فنزل سليمان منزلاً فاحتاج إلى الماء فطلبوا فلم يجدوا، فتفقد الهدهد ليدل على الماء، فقال: مالي لا أرى الهدهد، على تقدير أنه مع جنوده، وهو لا يراه، ثم أدركه الشك في غيبته، فقال: { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } ، يعني أكان من الغائبين، والميم صلة، وقيل: " أم " بمعنى " بل " ، ثم أوعده على غيبته، فقال: { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } ، واختلفوا في العذاب الذي أوعده به، فأظهر الأقاويل أن عذابه أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطاً، لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض. وقال مقاتل بن حيان: لأطلينّه بالقطران ولأشمسنّه وقيل: لأودعنّه القفص. وقيل: لأفرقن بينيه وبين إلفه. وقيل: لاحبسنّه مع ضده. { أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ } ، أي لأقطعن حلقه، { أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } ، بحجة بينة في غيبته، وعذر ظاهر، قرأ ابن كثير { ليأتينَّني } بنونين، الأولى مشددة، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة. وكان سبب غيبته على ما ذكر العلماء: أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم، فتجهز للمسير، واستصحب من الجن والإِنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ، فحملتهم الريح، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم، وكان ينحر كل يوم بمقامه بمكة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة، وقال لمن حضره من أشراف قومه: إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا، يعطى النصر على جميع من ناوأه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبيعد عنده في الحق سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم.

السابقالتالي
2 3 4