الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } * { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } * { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }

{ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } ، ألا يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته. { قَالَ } ، يعني موسى، { رَبِّ إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }. { وَيَضِيقُ صَدْرِى } ، من تكذيبهم إيّاي، { وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى } ، قال: هذا للعقدة التي كانت على لسانه، قرأ يعقوب «ويضيقَ»، «ولا ينطلق» بنصب القافين على معنى وأن يضيق، وقرأ العامة برفعهما رداً على قوله: { إِنِّى أَخَافُ } ، { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ } ، ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة. { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } ، أي دعوى ذنب، وهو قتله القبطي، { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } ، أي يقتلونني به. { قَالَ } ، الله تعالى، { كَلاَّ } ، أي لن يقتلوك، { فَٱذْهَبَا بِـئايَـٰتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } ، سامعون ما يقولون، ذكر " معكم " بلفظ الجمع، وهما اثنان، أجراهما مجرى الجماعة. وقيل: أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون. { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، ولم يقل: رسولا رب العالمين، لأنه أراد بالرسالة، أنا ذُو رسالة رب العالمين، كما قال كُثَيِّر:
لقد كَذَبَ الوَاشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهُمْ   بسرٍَ ولا أَرْسَلْتُهُمْ برسُولِ
أي: بالرسالة، وقال أبو عبيدة: يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع، تقول العرب: هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي، كما قال الله تعالى:وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } [الكهف: 50]، وقيل: معناه كل واحد منّا رسول رب العالمين. { أَنْ أَرْسِلْ } ، أي: بأن أرسلْ، { مَعَنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ } ، أي إلى فلسطين، ولا تستعبدهم، وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفاً، فانطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك. وفي القصة: أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده عصا، والمِكْتَلُ معلَّق في رأس العصا، وفيه زاده، فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حتى تدعوَ فرعون إلى الله، فخرجتْ أمهما وصاحت وقالت: إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنع بقولها، وذهبا إلى باب فرعون ليلاً ودقَّا الباب، ففزع البوَّابون وقالوا من بالباب؟ وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما؟ فقال موسى: أنا رسول رب العالمين، فذهب البواب إلى فرعون وقال: إنّ مجنوناً بالباب يزعم أنه رسول رب العالمين، فترل حتى أصبح، ثم دعاهما. وروي أنهما انطلقا جميعاً إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البواب فقال لفرعون: هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال فرعون: ائذن له لعلنا نضحك منه، فدخلا عليه وأديَّا رسالة الله عزّ وجلّ فعرف فرعونُ موسى لأنه نشأ في بيته.