الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } * { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } ، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسليمة الكذاب، كانوا يسمونه رحمن اليمامة. { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } ، قرأ حمزة والكسائي «يأمرنا» بالياء، أي: لما يأمرنا محمد بالسجود له، وقرأ الآخرون بالتاء، أي: لما تأمرنا أنت يا محمد، { وزادهم } يعني: زادهم قول القائل لهم: " اسجدوا للرحمن " { نُفُوراً } ، عن الدين والإِيمان. قوله عزّ وجلّ: { تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } ، قال الحسن ومجاهد وقتادة: " البروج " هي النجوم الكبار سميت بروجاً لظهورها، وقال عطية العوفي: " بروجاً " أي: قصوراً فيها الحرس، كما قال:وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [النساء: 78]. وقال عطاء عن ابن عباس: هي البروج الاثنا عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة، وهي الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل. وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيكون نصيب كل واحد منها ثلاثة بروج تسمى المثلثات، فالحمل والأسد والقوس مثلثه نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثه أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثه مائية. { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } يعني الشمس، كما قال:وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [نوح: 16] وقرأ حمزة والكسائي: «سرجاً» بالجمع، يعني النجوم. { وَقَمَراً مُّنِيراً } ، والقمر قد دخل في " السرُّج " على قراءة من قرأ بالجمع، غير أنه خصه بالذكر لنوع فضيلة، كما قال:فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [الرحمن: 68]، خصَّ النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في الفاكهة. { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفةً } ، اختلفوا فيها، قال ابن عباس والحسن وقتادة: يعني خلفاً وعوضاً يقوم أحدهما مقام صاحبه، فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر. قال شقيق: جاء رجل إلى عمر عن الخطاب، فقال فاتتني الصلاة الليلةَ، فقال أدرِكْ ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله عزّ وجلّ: جعل الليل والنهار خلفة لن أراد أن يذكَّر. قال مجاهد: يعني جعل كل واحد منهما مخالفاً لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض، وقال ابن زيد وغيره يعني يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء الآخر فهما يتعاقبان في الضياء والظلمة والزيادة والنقصان. { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } ، قرأ حمزة بتخفيف الدال والكاف وضمها من الذكر، وقرأ الآخرون بتشديدهما أي: يتذكر ويتعظ { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } ، قال مجاهد: أي شكر نعمة ربه عليه فيهما.