الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً }

{ وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } ، أي: الأشباه في إقامة الحجة عليهم، فلم نهلكهم إلا بعد الإِنذار، { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } ، أي أهلكنا إهلاكاً. وقال الأخفش: كسرنا تكسيراً. قال الزجاج: كل شيء كسرتَه وفتّتَه فقد تبّرتَه. { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِىۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } ، يعني الحجارة، وهي قريات قوم لوط، وكانت خمس قرى، فأهلك الله أربعاً منها، ونجت واحدة، وهي أصغرها، وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث، { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } ، إذا مروا بهم في أسفارهم فيعتبروا ويتفكروا لأنّ مدائن قوم لوط كانت على طريقهم عند ممرهم إلى الشام، { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ } ، لا يخافون، { نُشُوراً } بعثاً. قوله عزّ وجلّ: { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ } ، يعني: ما يتخذونك، { إِلاَّ هُزُواً } ، أي: مهزوءاً به، نزلت في أبي جهلٍ، كان إذا مرّ بأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مستهزئاً: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِى بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً }؟! { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } ، أي: قد قارب أن يضلنا، { عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ، أي: لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها، { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، من أخطأ طريقاً. { أَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ، وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فإذا رأى حجراً أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر فعبده. وقال ابن عباس: أرأيت من ترك عبادة الله وخالقه ثم هوى حجراً فعبده ما حاله عندي، { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } ، أي: حافظاً، يقول أفأنت عليه كفيل تحفظه من اتباع هواه وعبادة ما يهوى من دون الله؟ أي لست كذلك. قال الكلبي: نسختها آية القتال. { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ } ما تقول سماع طالب الإِفهام، { أَوْ يَعْقِلُونَ } ، ما يعاينون من الحجج والإِعلام، { إِنْ هُمْ } ، ما هم { إِلاَّ كَٱلاَْنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذين يتعهدونها، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق، ولا يطيعون ربَّهم الذي خلقهم ورزقهم، ولأن الأنعام تسجد وتسبح لله وهؤلاء الكفار لا يفعلون. قوله عزّ وجلّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } ، معناه ألم ترَ إلى مَدِّ ربِّك الظلَّ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، جعله ممدوداً لأنه ظل لا شمس معه، كما قال: «في ظل الجنة»،وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [الواقعة: 30] إذ لم يكن معه شمس. { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } ، دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس. قال أبو عبيدة: " الظل " ما نسخته الشمس، وهو بالغداة و " الفيء ": ما نسخ الشمس، وهو بعد الزوال، سُمي فيئاً لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب، { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } ، يعني على الظل.

السابقالتالي
2