الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } يعني اللاتي قعدن عن الولد والحيض من الكِبَر، لا يلدن ولا يحضن، واحدتها قاعد بلا هاء. وقيل: قعدن عن الأزواج، وهذا معنى قوله: { ٱلَّلَـٰتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } ، أي لا يردن الرجال لكبرهن، قال ابن قتيبة: سميت المرأة قاعداً إذا كبرت، لأنها تكثر القعود. وقال ربيعة الرأي: هنّ العُجَّزُ اللائي إذا رآهن الرجال استقذروهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال، وهي محل الشهوة، فلا تدخل في هذه الآية، { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ } ، عند الرجال، يعني: يضعن بعض ثيابهن، وهي الجلباب والرداء الذي فوق الثياب، والقناع، الذي فوق الخمار، فأما الخمار فلا يجوز وضعه، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وأُبيّ بن كعب: «أن يضعن من ثيابهن»، { غَيْرَ مُتَبَرِّجَـٰتِ بِزِينَةٍ } ، أي: من غير أن يردن بوضع الجلباب، والرداء إظهار زينتهن، والتبرُّج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تتنزه عنه. { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ } ، فلا يلقين الجلباب والرداء، { خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }. قوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } الآية، اختلف العلماء في هذه الآية، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله عزّ وجلّ قوله:لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُم بِٱلْبَاطِلِ } [النساء: 29]، تحرّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزَّمنى والعُمي والعرج، وقالوا الطعام أفضل الأموال، وقد نهَانَا اللَّهُ عن أكل المال بالباطل. والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام، فأنزل الله هذه الآية. وعلى هذا التأويل يكون «على» بمعنى " في " أي: ليس في الأعمى، يعني ليس: عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض. وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم، ويقول الأعمى: ربما أكل أكثر، ويقول الأعرج ربما أخذ مكان الاثنين، فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد: نزلت الآية ترخيصاً لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمَّى الله في هذه الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية، كان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون أذهب بنا إلى بيت غيره؟ فأنزل الله هذه الآية. وقال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غُيَّب، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم.

السابقالتالي
2 3