الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } الآية: قال ابن عباس رضي الله عنهما وجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالةٍ كره عمر رؤيته ذلك، فأنزل الله هذه الآية. وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت أبي مرثد كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقتٍ كرهته، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ }. اللام لام الأمر. { ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } يعني: العبيد والإِماء، { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } ، من الأحرار وليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا. { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } ، أي: ليستأذنوا في ثلاث أوقات، { مِّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } ، يريد المَقِيْل، { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَآءِ } ، وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد، أمر العبيد والصبيان بالاستئذان في هذه الأوقات، وأم غيرهم فَلْيستأذنوا في جميع الأوقات { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: «ثلاثَ» بنصب الثاء بدلاً عن قوله { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } ، وقرأ الآخرون بالرفع، أي هذه الأوقات ثلاثُ عورات لكم، سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته، { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ } ، جناح، { وَلاَ عَلَيْهِمْ } ، يعني: العبيد والخدم والصبيان، { جُنَاحٌ } ، في الدخول عليكم من غير استئذان، { بَعْدَهُنَّ } ، أي: بعد هذه الأوقات الثلاثة، { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } ، أي: العبيد والخدم يطوفون عليكم فيترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالكم بغير إذن، { بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي: يطوف، { بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، واختلف العلماء في حكم هذه الآية: فقال قوم: منسوخ. قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يكن للقوم ستور ولا حجاب، فكان الخدم والولائد يدخلون فربما يرون منهم ما لا يحبون، فأمروا بالاستئذان، فقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور فرأى أن ذلك أغنى عن الاستئذان. وذهب قوم إلى أنها غير منسوخة روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت الشعبي عن هذه الآية: { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } أمنسوخة هي؟ قال: لا والله، قلت: إن الناس لا يعملون بها، قال: الله المستعان. وقال سعيد بن جبير في هذه الآية: إن ناساً يقولون نسخت والله ما نسخت، ولكنها مما تهاون به الناس.