الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ } ،أي تولوا عن طاعة الله ورسوله، { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } ، يعني: على الرسول ما كُلّف وأُمر به من تبليغ الرسالة، { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } ، من الإِجابة والطاعة، { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } ، أي التبليغ البيِّن. قوله عزّ وجلّ: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأَرْضِ }. قال أبو العالية: في هذه الآية: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين مع أصحابه، وأُمروا بالصبر على أذى الكفار، وكانوا يُصْبِحُونَ ويُمْسُون خائفين ثم أُمروا بالهجرة إلى المدينة، وأُمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم سلاحه، فقال رجل منهم: أمَا يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فأنزل الله هذه الآية: { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } أدخل اللام لجواب اليمين المضمرة، يعني والله ليستخلفنّهم أي ليورثنّهم أرض الكفار من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها، { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } قرأ أبو بكر عن عاصم: «كما استخلف» بضم التاء وكسر اللام على ما لم يسم فاعله، وقرأ الآخرون بفتح التاء واللام لقوله تعالى: { وَعَدَ ٱللَّهُ }. قال قتادة: { كما استخلف } داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء. وقيل: " كما استخلف الذين من قبلهم " أي: بني إسرائيل حيث أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم، { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } ، أي: اختار، قال ابن عباس: يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم على سائر الأديان، { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } ، قرأ ابن كثير وأبو بكر ويعقوب بالتخفيف من الإِبدال، وقرأ الآخرون بالتشديد من التبديل، وهما لغتان، وقال بعضهم: التبديل تغير حال إلى حال، والإِبدال رفع الشيء وجعل غيره مكانه، { مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى } ، آمنين، { لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً } ، فأنجز الله وعده، وأظهر دينه، ونصر أولياءه، وأبدلهم بعد الخوف أمناً وبسطاً في الأرض. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن الحكم، أخبرنا النضر، أخبرنا إسرائيل، أخبرنا سعيد الطاهري، أخبرنا مُحل بن خليفة، عن عدي بن حاتم، قال: " بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكى إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل، فقال: « يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بك حياة فَلَتَريَنَّ الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد؟، ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، لئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفه من ذهب و فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليَلْقَيَنَّ اللَّهَ أحدكم يوم القيامة وليس بينه وبينه ترجمان يترجم، فليقولنّ له ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنّم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم »، قال عدي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة »، قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت ممن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونَّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج الرجل ملء كفه ".

السابقالتالي
2