الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ }

{ رِّجَالِ } ، قيل: خص الرجال بالذكر في هذه المساجد لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد، { لاَّ تُلْهِيهِمْ } ، لا تشغلهم، { تِجَـٰرَةٌ } ، قيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإِنسان عن الصلاة والطاعات، وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعاً لأنه ذكر البيع بعد هذا، كقوله:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً } [الجمعة: 11] يعني: الشراء، وقال الفراء: التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يديه. قوله: { وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، عن حضور المساجد لإِقامة الصلاة، { وَإِقَامِ } ، أي: لإقامة { ٱلصَّلَوٰةِ } ، حذف الهاء وأراد أداءها في وقتها، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة، وأعاد ذكر إقامة الصلاة مع أن المراد من ذكر الله الصلوات الخمس لأنه أراد بإقامة الصلاة حفظ المواقيت. روى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت: { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ }. { وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـوٰةِ } ، المفروضة، قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها. وقيل: هي الأعمال الصالحة. { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } ، قيل: تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر، وتنفتح الأبصار من الأغطية. وقيل: تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء تخشى الهلاك وتطمع في النجاة، وتقلب الأبصار من هَوْلِه أي: ناحيةً يؤخذ بهم ذات اليمين أم ذات الشمال، ومن أين يؤتون الكتب أم من قبل الأيمان أم من قبل الشمائل، وذلك يوم القيامة. وقيل: تتقلب القلوب في الجوف فترتفع إلى الحنجرة فلا تنزل ولا تخرج، وتقلب البصر شخوصه من هول الأمر وشدته. { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } ، يريد: أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا، أي بأحسن ما عملوا يريد يجزيهم بحسناتهم، وما كان من مساوىء أعمالهم لا يجزيهم بها، { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } ، ما لم يستحقوه بأعمالهم، { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، ثم ضرب لأعمال الكفار مثلاً. فقال تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } " السراب " الشعاع الذي يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري، يشبه الماء الجاري على الأرض يظنه من رآه ماء، فإذا قرب منه انفشّ فلم يَرَ شيئاً، و " الآل " ما ارتفع من الأرض، وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغداوات شبه الملاءة يرفع فيه الشخوص يرى فيه الصغير كبيراً والقصير طويلاً، و " الرقراق " يكون بالعشايا، وهو ما ترقرق من السراب، أي جاء وذهب. و " القيعة ": جمع القاع وهو المنبسط الواسع من الأرض، وفيه يكون السراب، { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ } ، أي: يتوهمه العطشان، { مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ } أي: جاء ما قد رأى أنه ماء.

السابقالتالي
2