الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَـٰتٍ مُّبَيِّنَـٰتٍ } من الحلال والحرام، { وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ } ، أي شبهاً من حالكم بحالهم أيها المكذبون، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق من قبلهم من المكذبين، { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } ، للمؤمنين الذين يتقون الشرك والكبائر. قوله عزّ وجلّ: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: هادي أهل السموات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلالة ينجون. وقال الضحاك: منوّر السموات والأرض، يقال: نوّر السماء بالملائكة ونوّر الأرض بالأنبياء. وقال مجاهد: مدبر الأمور في السموات والأرض. وقال أُبيّ بن كعب والحسن وأبو العالية: مزِّين السموات والأرض، زيّن السماء بالشمس والقمر والنجوم، وزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين. ويقال: بالنبات والأشجار. وقيل: معناه الأنوار كلها منه، كما يقال: فلان رحمة أي منه الرحمة. وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح كما قال القائل:
إذا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ ليلةً   فقد سَارَ منها نورُها وجمالُها
قوله تعالى: { مَثَلُ نُورِهِ } أي مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن، وهو النور الذي يهتدي به، كما قالفَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [الزمر: 22]، وكان ابن مسعود يقرأ " مثل نوره في قلب المؤمن ". وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مثل نوره الذي أعطى المؤمن. وقال بعضهم: الكناية عائدة إلى المؤمن، أي: مثل نور قلب المؤمن، وكان أُبيّ يقرأ: " مثل نور من آمن به " وهو عبد جُعل الإِيمانُ والقرآنُ في صدره. وقال الحسن وزيد بن أسلم: أراد بالنور القرآن. وقال سعيد بن جبير والضحاك: هو محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: أراد بالنور الطاعة، سمّى طاعةَ الله نوراً وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلاً، { كَمِشْكَاةٍ } ، وهي الكوة التي لا منفذ لها فإن كان لها منفذ فهي كوة. وقيل: المشكاة حبشية. قال مجاهد: هي القنديل { فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي: سراج، وأصله من الضوء، ومنه الصبح، ومعناه: كمصباح في مشكاة، { ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ } ، يعني القنديل، قال الزجاج: إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء، وضوؤه يزيد في الزجاج، ثم وصف الزجاجة، فقال: { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ }. قرأ أبو عمر والكسائي «درىء» بكسر الدال والهمزة، وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمزة، فمن كسر الدال فهو فعيل من الدرء، وهو الدفع لأن الكوكب يدفع الشيطاطين من السماء، وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة أضْوَأَ وأنورَ، ويُقال: هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقبضاً فيتضاعف ضوءه في ذلك الوقت. وقيل: " دُري " أي: طالع، يقال: درأ النجم إذا طلع وارتفع.

السابقالتالي
2 3 4