الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } أي: ليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون مالاً ينكحون به للصداق والنفقة، { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، أي يوسع عليهم من رزقه. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ } ، أي: يطلبون المكاتبة، { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَكَـٰتِبُوهُمْ } ، سبب نزول هذه الآية ما رُوي أن غلاماً لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه، فأنزل الله هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار، ووهب له منها عشرين ديناراً فأدّاها، وقتل يوم حنين في الحرب. والكتابة أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على كذا من المال، ويسمي مالاً معلوماً، يؤدي ذلك في نجمين أو نجوم معلومة في كل نجم كذا، فإذا أديت فأنت حر، يقبل العبد ذلك، فإذا أدى المال عتق ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة، وإذ أعتق بعد أداء المال فما فضل في يده من المال يكون له، ويتبعه أولاده الذين حصلوا في حال الكتابة في العتق، وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق، وما في يده من المال يكون لمولاه، لِما. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن نافع، أخبرنا عبد الله بن عمر كان يقول: " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء. ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم. وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى: { فَكَـٰتِبُوهُمْ } أمر إيجاب، يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيراً إذا سأل العبد ذلك، على قيمته أو أكثر، وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار، ولما رُوي أنّ سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه فشكاه إلى عمر، فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه. وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب. ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي لأنه عقد جُوِّز إرْفاقاً بالعبد، ومن تتمة الإِرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل، فيحصل المقصود، كالدية في قتل الخطأ وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة، وجوّز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالّة. قوله تعالى: { إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } ، اختلفوا في معنى الخير، فقال ابن عمر: قوة على الكسب. وهو قول مالك والثوري، وقال الحسن ومجاهد والضحاك: مالاً، كقوله تعالى:إِن تَرَكَ خَيْرًا } [البقرة: 180] أي: مالاً، ورُوي أنّ عبداً لسلمان الفارسي قال له كاتبني، قال: ألك مال؟ قال: لا.

السابقالتالي
2 3