الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله عز وجل: { ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها. فقال قوم: قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن وهنَّ يومئذٍ أخصب أهل المدينة، فرغب ناس من فقراء المسلمين في نكاحهن لينفقن عليهم، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أن يتزوجوا تلك البغايا لأنهن كن مشركات، وهذا قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري والشعبي، ورواية العوفي عن ابن عباس. وقال عكرمة: نزلت في نساء بمكة والمدينة، منهن تسع لهن رايات كرايات البيطار يعرفن بها، منهنّ أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الجهة، فاستأذن رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول واشترطت له أن تنفق عليه، فأنزل الله هذه الآية. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت بمكة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقة له في الجاهلية، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها، فقال مرثد: إن الله حرّم الزنا، قالت: فانكحني، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد شيئاً، فنزلت: { وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } فدعاني النبي فقرأها عليّ وقال لي: لا تنكحها. فعلى قول هؤلاء كان التحريم خاصاً في حق أولئك دون سائر الناس. وقال قوم: المراد من النكاح هو الجماع، ومعناه: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا تزني إلا بزان أو مشرك، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم. ورواية الوالبي عن ابن عباس، قال يزيد بن هارون: إن جامعها وهو مستحل فهو مشرك، وإن جامعها وهو مُحرِّم فهو زان، وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية ويقول: إذا تزوج الزاني بالزانية فهما زانيان أبداً. وقال الحسن: الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة والزانية المجلودة لا ينكحها إلا زان مجلود. قال سعيد بن المسيب وجماعة: إن حكم الآية منسوخ، كان نكاح الزانية حراماً بهذه الآية فنسخها قوله تعالى: { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ } فدخلت الزانية في أيامى المسلمين. واحتج من جوز نكاح الزانية بما أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي، أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، أخبرنا الحسن بن الفرج، أخبرنا عمرو بن خالد الحراني، أخبرنا عبيد الله عن عبد الكريم الجزري، عن أبي الزبير، عن جابر، " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّ أمرأتي لا تمنع يَدَ لاَمِس؟ قال: طلقها، قال: فإني أحبها وهي جميلة، قال:استمتع بها " وفي رواية غيره " فأمسكها إذاً " وروي أن عمر بن الخطاب ضرب رجلاً وامرأة في زنى وحرَّض أن يجمع بينهما فأبى الغلام.