الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } * { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

{ يَوْمَ تَشْهَدُ } قرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدم الفعل، وقرأ الآخرون بالتاء، { عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ } ، وهذا قبل أن يختم على أفواههم، { وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ } ، يروى أنه تختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا. وقيل: معناه تشهد ألسنة بعضهم على بعض وأيديهم وأرجلهم، { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } جزاءهم الواجب. وقيل: حسابهم العدل. { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } ، يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: وذلك أن عبد الله بن أُبيّ كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين. قوله عزّ وجلّ: { ٱلْخَبِيثَـٰتُ لِلْخَبِيثِينَ } ، قال أكثر المفسرين: الخبيثات من القول والكلام للخبيثين من الناس. { وَٱلْخَبِيثُونَ } ، من الناس، { لِلْخَبِيثَـٰتِ } ، من القول، والكلام، { وَٱلطَّيِّبَـٰتُ } ، من القول، { لِلطَّيِّبِينَ } ، من الناس، { وَٱلطَّيِّبُونَ } ، من الناس، { لِلْطَّيِّبَـٰتِ } ، من القول، والمعنى: أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس والطيب لا يليق إلا بالطيب من الناس، فعائشة لا يليق بها الخبيثات من القول لأنها طيبة رضي الله عنها فيضاف إليها طيبات الكلام من المدح والثناء الحسن وما يليق بها. وقال الزجاج: معناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء، وهذا ذم للذين قذفوا عائشة، ومدح للذين برؤوها بالطهارة. قال ابن زيد: معناه الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء [مثال عبد الله بن أُبيّ والشاكّين في الدين، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. يريد عائشة طيبها الله لرسوله الطيب صلى الله عليه وسلم. { أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ } ، يعني: عائشة وصفوان ذكرهما بلفظ الجمع كقوله تعالى:فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } [النساء: 11] أي: إخوان. وقيل: " أولئك مبرؤون " يعني الطيبين والطيبات منزهون، { مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ، فالمغفرة هي العفو عن الذنوب، والرزق الكريم: الجنة. ورُوي أن عائشة كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها، منها أن جبريل أتى بصورتها في سََرَقَةٍ من حرير، وقال هذه زوجتك. وروي أنه أتى بصورتها في راحته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها، ودفن في بيتها، وكان ينزل عليه الوحي وهو معها في لحافه، ونزلت براءتها من السماء، وأنها ابنة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه، وخلقت طيبة، ووُعدت مغفرة ورزقاً كريماً. وكان مسروق إذا روى عن عائشة قال: حدثتني الصدِّيقة بنت الصدِّيق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء.