الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ سُورَةٌ } ، أي: هذه سورة، { أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا } ، قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ «وفرَّضناها» بتشديد الراء، وقرأ الآخرون بالتخفيف، أي: أوجبنا ما فيها من الأحكام وألزمناكم العمل بها. وقيل: معناه قدرنا ما فيها من الحدود، والفرض: التقدير، قال الله عزّ وجلّ:فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [البقرة: 237] أي: قدرتم، ودليل التخفيف قوله عزّ وجلّ:إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ } [القصص: 85]، وأما التشديد فمعناه: و فصلناه وبيناه. وقيل: هو بمعنى الفرض الذي هو بمعنى الإِيجاب أيضاً، والتشديد للتكثير لكثرة ما فيها من الفرائض، أي: أوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة. { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ } ، واضحات، { لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، تتعظون. قوله عزّ وجلّ: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } أراد إذا كانا حرين بالغين عاقلين بكرين غير محصنين " فاجلدوا ": فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة، يقال جلده إذا ضربَ جِلْدَه، كما يقال رأسَه وبطَنَه، إذا ضرب رأسه وبطنه، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم، وقد وردت السنة أنه يجلد مائة ويغرب عاماً وهو قول أكثرأهل العلم، وإن كان الزاني محصناً فعليه الرجم، ذكرناه في سورة النساء. { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } ، رحمة ورقة، وقرأ ابن كثير «رأَفة» بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لمجاورة قوله ورحمة، والرأفة معنى في القلب، لا ينهى عنه لأنه لا يكون باختيار الإِنسان.روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت، فقال للجلاد: اضرب ظهرها ورجليها، فقال له ابنه: لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله، فقال: يا بنيّ إن الله عزّ وجلّ لم يأمرني بقتلها وقد ضُربت فأوجعت. واختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي. وقال جماعة: معناها ولا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضرباً، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن، قال الزهري: يجتهد في حد الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب. وقال قتادة: يجتهد في حد الزنا ويخفف في الشرب والفرية. { فِى دِينِ ٱللَّهِ } ، أي: في حكم الله { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } ، معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفةُ إذا جاء أمر الله تعالى. { وَلْيَشْهَدْ } ، وليحضر، { عَذَابَهُمَا } حدَّهما إذا أقيم عليهما { طَآئِفَةٌ } ، نفر، { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، قال مجاهد والنخعي: أقله رجل واحد فما فوقه وقال عكرمة وعطاء رجلان فصاعداً. وقال الزهري وقتادة: ثلاثة فصاعداً. وقال مالك وابن زيد: أربعة بعدد شهود الزنا.