الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } * { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ } ، يبادرون إلى الأعمال الصالحة، { وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ } ، أي: إليها سابقون، كقوله تعالى: " لما نهوا " أي: إلى ما نهوا، ولما قالوا ونحوها، وقال ابن عباس في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة. وقال الكلبي: سبقوا الأمم إلى الخيرات. قوله: { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ، أي: طاقتها، فمن لم يستطع القيام فليصلِّ قاعداً، ومن لم يستطع الصوم فليفطر، { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } ، وهو اللوح المحفوظ، " ينطق بالحق " يبين بالصدق، ومعنى الآية: لا يكلف الله نفساً إلا ما أطاقت من العمل، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ، فهو ينطق به ويبينه. وقيل: هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم، ثم ذكر الكفار. فقال: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ } ، أي: في غفلة وجهالة، { مِّنْ هَـٰذَا } ، أي: من القرآن، { وَلَهُمْ أَعْمَـٰلٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ } ، أي: للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم من دون ذلك، يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في قوله: " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " ، { هُمْ لَهَا عَـٰمِلُونَ } ، لا بد لهم من أن يعملوها، فيدخلوا بها النار، لما سبق لهم من الشقاوة. هذا قول أكثر المفسرين. وقال قتادة: هذا ينصرف إلى المسلمين، وأن لهم أعمالاً سوى ما عملوا من الخيرات هم لها عاملون، والأول أظهر. { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم } ، أي: أخذنا أغنياءهم ورؤساءهم، { بِٱلْعَذَابِ } ، قال ابن عباس: هو السيف يوم بدر. وقال الضحاك: يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اللهم اشدد وَطْأَتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنِّي يوسف " فابتلاهم الله عزّ وجلّ بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف. { إِذَا هُمْ يَجْـئَرُونَ } يضجون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجأر: رفع الصوت بالتضرع.