الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ } ، معنىٰ: ضُرِب: جُعِل، كقولهم: ضربَ السلطانُ البعثَ على الناس، وضرب الجزيةَ على أهل الذمة، أي جعل ذلك عليهم. ومعنى الآية: جُعِل لي شَبَه، وشُبِّه بَي الأوثان، أي: جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها ومعنى { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } ، أي: فاستمعوا حالها وصفتها، ثم بين ذلك فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، يعني: الأصنام، قرأ يعقوب بالياء والباقون بالتاء { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } ، واحداً في صغره وقلته لأنها لا تقدرعليه. والذباب: واحد وجمعه القليل: أَذِبَّة، والكثير: ذِبَّان، مثل غُراب وأَغْرِبَة وغِرْبَان، { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } ، أي: لخلقه، { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } ، قال ابن عباس: كانوا يطلُون الأصنام بالزعفران، فإذا جفَّ جاء الذباب فاستلب منه. وقال السدي: كانوا يضعون الطعام بين يدي الأصنام فتقع الذباب عليه فيأكلن منه. وقال ابن زيد: كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلىء وأنواع الجواهر، ويطيبونها بألوان الطيب فربما تسقط منها واحدة فيأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها، فذلك قوله: { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً } أي: وإن يسلب الذبابُ الأصنامَ شيئاً مما عليها لا يقدرون أن يستنقذوه منه، { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } ، قال ابن عباس: " الطالب ": الذباب يطلب ما يسلب من الطيب من الصنم، و " المطلوب ": الصنم يطلب الذباب منه السلب. وقيل: على العكس: " الطالب ": الصنم و " المطلوب ": الذباب. وقال الضحاك: " الطالب ": العابد و " المطلوب ": المعبود. { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ، ما عظَّموه حقَّ عظمتِهِ وما عرفوه حقَّ معرفتِهِ، ولا وصفوه حقَّ صفتِهِ إنْ أَشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه، { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ }.