الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله عز وجل: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ } ، قال ابن عباس: يعني شريعة هم عاملون بها. وروى عنه أنه قال: عيداً. قال قتادة ومجاهد: موضع قربان يذبحون فيه. وقيل: موضع عبادة. وقيل: مَألفاً يألفونه. والمنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد لعمل خير أو شر، ومنه " مناسك الحج " لتردد الناس إلى أماكن أعمال الحج. { فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ فِى ٱلأَمْرِ } ، يعني في أمر الذبائح. نزلت في بُدَيْل بن ورقاء، وبشر بن سفيان، ويزيد بن خنيس قالوا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: مالكم تأكلون مما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون مما قتله الله؟ قال الزجاج: معنى قوله: { فَلاَ يُنَـٰزِعُنَّكَ } أي: لا تنازعهم أنت، كما يقال: لا يخاصمك فلان، أي: لا تخاصمه، وهذا جائز فيما يكون بين الإِثنين، ولا يجوز: لا يضربنك فلان، وأنت تريد: لا تضربه، وذلك أن المنازعة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا ترك أحدهما فلا مخاصة هناك. { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } ، إلى الإِيمان بربك، { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }. { وَإِن جَـٰدَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }. { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ، فتعرفون حينئذ الحق من الباطل. والاختلاف: ذهاب كل واحد من الخصمين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر. { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ } ، كله، { فِى كِتَـٰبٍ } ، يعني اللوح المحفوظ، { إِنَّ ذَٰلِكَ } يعني: علمه بجميع ذلك، { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }. { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } ، حجة، { وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ } ، يعني أنهم فعلوا ما فعلوا عن جهل لا عن علم، { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ } ، للمشركين، { مِن نَّصِيرٍ } ، مانع يمنعهم من عذاب الله. { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ } ، يعني: القرآن، { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنكَرَ } ، يعني الإِنكار يتبين ذلك في وجوههم من الكراهية والعبوس، { يَكَـٰدُونَ يَسْطُونَ } ، أي: يقعون ويبسطون إليهم أيديهم بالسوء. وقيل: يبطشون، { بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِنَا } ، أي: بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ. يقال: سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش والعنف، وأصل السطو: القهر. { قُلْ } ، يا محمد، { أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ } ، أي: بشرٍّ لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تستمعون، { ٱلنَّارُ } أي: هي النار، { وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }.