الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ، يعني: كفارَ مكة، فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية، { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } ، يعني: ما يذكر لهم من أخبار القرون الماضية فيعتبرون بها، { فَإِنَّهَا } ، الهاء عماد، { لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } ، ذَكَر " التي في الصدور " تأكيداً كقوله:يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38] معناه أن العمى الضار هو عمى القلب، فأمّا عمى البصر فليس بضار في أمر الدين، قال قتادة: البصر الظاهر: بُلْغة ومتعة، وبصر القلب: هو البصر النافع. { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } ، نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: إن كان هذا هو الحقُّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } ، فأُنجز ذلك يوم بدر. { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } ، قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: " يعدون " بالياء هاهنا لقوله: { يستعجلونك } ، وقرأ الباقون: بالتاء لأنه أعم، لأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين، واتفقوا في تنزيل " السجدة " أنه بالتاء. قال ابن عباس: يعني يوماً من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وقال مجاهد وعكرمة: يوماً من أيام الآخرة، والدليل عليه ما رُوي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك مقداره خمسمائة سنة ". قال ابن زيد: " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " هذه أيام الآخرة. وقوله: " كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون " يوم القيامة. والمعنى على هذا: أنهم يستعجلون بالعذاب، وإن يوماً من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة. وقيل: معناه وإن يوماً من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون، فكيف تستعجلونه هذا؟ كما يقال: أيام الهموم طوال، وأيام السرور قصار. وقيل: معناه إن يوماً عنده وألف سنة في الإِمهال سواء، لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوتُه شيء بالتأخير، فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء.