الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }

{ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله، فأنزل الله هذه الآية: " لنْ ينال الله لحومُها ولا دماؤُها " قرأ يعقوب " تنال وتناله " بالتاء فيهما، وقرأ العامة بالياء، قال مقاتل: لن يُرفع إلى الله لحومُها ولا دماؤُها، { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } ، ولكن تُرفع إليه منكم الأعمال الصالحة والتقوى، والإِخلاص وما أريد به وجه الله تعالى { كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } ، يعني: البدن، { لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } ، أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، وهو أن يقول: الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا، { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، قال ابن عباس: الموحدين. قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ } ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة: " يدفع " ، وقرأ الآخرون: " يدافع " بالألف، يريد: يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم عن المؤمنين. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } ، أي: خوان في أمانة الله كفور لنعمته، قال ابن عباس: خانوا الله فجعلوا معه شريكاً وكفروا نعَمه. قال الزجاج: من تقرب إلى الأصنام بذبيحته وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور. قوله عز وجل: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } ، قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم: " أذن " بضم الألف والباقون بفتحها، أي: أذن الله، " للذين يُقاتَلُون " ، قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص " يقاتلون " بفتح التاء يعني المؤمنين الذين يقاتلهم المشركون، وقرأ الآخرون بكسر التاء يعني الذين أذن لهم بالجهاد " يقاتلون " المشركين. قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وهي أول آية أَذِنَ الله فيها بالقتال، فنزلت هذه الآية بالمدينة. وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يُمنعون فأذِنَ اللَّهُ لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة، { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } ، أي: بسبب ما ظُلِموا، واعتدوا عليهم بالإيذاء، { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }.