الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ }

{ وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ } أي: أعلمْ ونادِ في الناس، { بِٱلْحَجِّ } ، فقال إبراهيم وما يبلغ صوتي؟ فقال: عليك الأذانُ وعليَّ البلاغُ، فقام إبراهيم على المَقام فارتفع المقامُ حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال: يا أيها الناس أَلا إن ربكم قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحجَ إلى البيت فأجيبوا ربكم، فأجابه كل من كان يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات: لبيك اللهم لبيك، قال ابن عباس: فأول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجاً. وروى أن إبراهيم صعد أبا قبيس ونادى. وقال ابن عباس عنى بالناس في هذه الآية أهل القبلة، وزعم الحسن أن قوله: " وأذن في الناس بالحج " كلام مستأنف وأن المأمور بهذا التأذين محمد صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يفعل ذلك في حجة الوداع. وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحجوا ". قوله تعالى: { يَأْتُوكَ رِجَالاً } ، مشاة على أرجلهم جمع راجل، مثل قائم وقيام وصائم وصيام، { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } ، أي: ركباناً على كل ضامر، والضامر: البعير المهزول. { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي: من كل طريق بعيد، وإنما جمع " يأتين " لمكان كل وإرادة النوق. { لِّيَشْهَدُواْ } ، ليحضروا، { مَنَـٰفِعَ لَهُمْ } ، قال سعيد بن المسيب، ومحمد بن علي الباقر: العفو والمغفرة. وقال سعيد بن جبير: التجارة، وهي رواية ابن زيد عن ابن عباس، قال الأسواق. وقال مجاهد: التجارة وما يَرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة. { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ } ، يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين. قيل: لها " معلومات " للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها. ويروى عن علي رضي الله عنه: أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها يوم عرفة والنحر وأيام التشريق. وقال مقاتل: المعلومات أيام الشتريق. { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } ، يعني: الهدايا، والضحايا، تكون من النعم، وهي الإِبل والبقر والغنم. واختار الزجاج أن الأيام المعلومات: يوم النحر وأيام التشريق، لأن الذكر على بهيمة الأنعام يدل على التسمية على نحرها، ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام. { فَكُلُواْ مِنْهَا } أمر إباحة ليس بواجب، وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئاً، واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعاً يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لِما. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا إسماعيل ابن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع: وقدم علي ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة بيده ونحر عليَّ ما بقي، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ بَضْعةٌ من كل بدنة فتجعل في قدر، فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها.

السابقالتالي
2